أكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، أمس الخميس بالرباط، أن المرجعيات الاستراتيجية للوزارة تشدد على الدور المحوري والحاسم للمدرسات والمدرسين في تحقيق أهداف الإصلاح العميق والشامل للمدرسة المغربية.
وأبرز بنموسى، خلال افتتاح أشغال النسخة الأولى للمنتدى الوطني للمدرس، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحت شعار “المدرس محرك تطور التربية والتعليم”، أن الوزارة اعتمدت خارطة الطريق 2022-2026 “من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع”، المحددة لأولويات الإصلاح التربوي، انطلاقا من مرجعياته الأساسية المتمثلة في التوجيهات الملكية السامية، وأحكام القانون المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتوصيات النموذج التنموي الجديد، إلى جانب أهداف البرنامج الحكومي.
وأضاف خلال المنتدى، الذي تنظمه الوزارة بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، أن هذه الخارطة تعتمد مقاربة نسقية ومتعددة الأبعاد، تتمحور حول الركائز الأساسية للمنظومة التربوية، المتمثلة في التلميذ والأستاذ والمؤسسة التعليمية، مع جعل المصلحة الفضلى للتلميذ هدفا استراتيجيا لكل أوراش الإصلاح التربوي.
كما تسعى خارطة طريق الإصلاح التربوي، يؤكد الوزير، إلى تعزيز دور المدرسات والمدرسين كفاعلين في قيادة التغيير بمختلف المؤسسات التعليمية والفصول الدراسية، مسجلا أن الوزارة تعمل على تنفيذ مجموعة من المبادرات والبرامج والمشاريع، ضمنها الاستثمار في التكوين وتعزيز جاذبية المهنة، عبر إعادة هيكلة مسارات التكوين الأساسي ومراجعة وتجويد البرامج والمناهج المرتبطة به، والارتقاء بالتكوين المستمر.
وأوضح أن هذه المبادرات تشمل، أيضا، تحفيز هيئة التدريس، حيث بذلت الحكومة مجهودا استثنائيا في إطار الحوار الاجتماعي القطاعي، الذي خصصت لتنفيذ مخرجاته ما يناهز 17 مليار درهم، مما سمح بالاستجابة لمختلف مطالب وانتظارات الأسرة التعليمية، التي تم التعبير عنها لسنوات طويلة، لاسيما تحسين الدخل، وتوحيد المسارات المهنية، وفتح آفاق جديدة للترقي في المسار المهني، وتسوية مجموعة من الملفات العالقة.
وأضاف أن إصدار النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، الذي تسري مقتضياته على جميع موظفي الوزارة، شكل لحظة فارقة في مسار تثمين وتحفيز الموارد البشرية، وفق مبادئ المساواة والإنصاف والاستحقاق.
وشدد على أن الوزارة تولي، أيضا، عناية خاصة لتحسين ظروف اشتغال الأساتذة وتمكينهم من التجهيزات ووسائل العمل الرقمية، وتزويدهم بالمقاربات والأدوات البيداغوجية الناجعة، وتوسيع هامش المبادرة لديهم، وتأطيرهم ومواكبتهم في الميدان، فضلا عن الاعتراف بنجاحاتهم.
واعتبر الوزير أنه تبين بالملموس، خلال تنزيل مشروع “مؤسسات الريادة”، أن المدرس هو الفاعل الجوهري في تحول المدرسة العمومية، خاصة إذا ما تمت مواكبته وتأطيره من لدن الإدارة التربوية وهيئة التفتيش.
وأبرز أن التقييمات حول نموذج مدارس الريادة، التي شملت 626 مدرسة ابتدائية خلال الموسم الدراسي 2023 -2024، أبانت عن الأثر الإيجابي لمدارس الريادة على مستوى تحكم التلميذات والتلاميذ في التعلمات الأساس، وذلك بفعل الأثر المزدوج للدعم العلاجي المكثف لجميع التلاميذ باعتماد مقاربة التعليم وفق المستوى المناسب للمتعلم (TaRL) من جهة، ومقاربة التدريس الفعال التي تسمح بتحسين الممارسات البيداغوجية وبناء التعلمات بشكل أفضل، من جهة ثانية.
وقال بنموسى إنه رغم كون هذه النتائج إيجابية وواعدة، إلا أنها تتطلب المزيد من اليقظة والتعبئة لإنجاح المشروع الذي يواجه تحديين أساسيين، هما تعزيز الأثر على التعلمات، وكسب رهان التوسيع على باقي المؤسسات التعليمية.
وعبر عن القناعة بأن بداية الطريق لتحقيق التحول الجذري للمدرسة العمومية، تتمثل في الرفع من إيقاع الإصلاح ليشمل هذا التحول جميع المؤسسات التعليمية، في إطار تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص وإعمالا لحق توفير تعليم جيد للجميع، معتبرا أن ذلك يتطلب، كهدف مرحلي، إنجاح مرحلة التوسيع التدريجي لنموذج مؤسسات الريادة وإطلاق المشروع على مستوى السلك الإعدادي.
من جانب آخر، ذكر الوزير أن هذا المنتدى يشكل محطة للتفكير في التحديات والرهانات المستقبلية التي ستؤدي إلى حدوث تغيير عميق في مهن التدريس، مثل التحدي الذي يطرحه الذكاء الاصطناعي بحضوره المتزايد في مختلف المجالات والأنشطة، وما يرتبط به من فرص ومخاطر، وتأثيرات ذلك على العملية التربوية، وتحدي قدرة منظومة التربية والتكوين والفاعلين التربويين على الإدماج الفعال للتكنولوجيات الرقمية والانخراط في التحول الرقمي كدعامة لتحسين جودة التعلمات.
من جهته، أكد رئيس مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، يوسف البقالي، أن خارطة الطريق تستمد مرجعيتها من التوجيهات الملكية السامية المؤكدة على ضرورة التعزيز الأمثل لأدوار الفاعلين في المنظومة التربوية من أجل بلوغ الإصلاح المأمول.
وتوقف البقالي، بالمناسبة، عند تنزيل المؤسسة لمجموعة من الخدمات الاجتماعية الحيوية لمواكبة الاحتياجات ذات الأولوية لأسر التربية والتكوين، مبرزا عزم المؤسسة على التجويد المستمر لظروفهم المعيشية وتعزيز كفاءاتهم البيداغوجية قدر الإمكان.
وشدد على أن هذا الالتزام يتجلى، على الخصوص، في الإقبال المتزايد على سلة الخدمات الاجتماعية التي تضعها المؤسسة بين أيديهم، مضيفا أنهم يبلغون اليوم ما يناهز 530 ألف منخرط رئيسي بالمؤسسة، ويرتفع عددهم لما يقارب مليوني شخص مستفيد باحتساب أبنائهم وأزواجهم.
وذكر بأنه في المجال الصحي، استفادت إلى حدود اليوم أزيد من 470 ألف أسرة من مختلف الخدمات المقدمة، لتبلغ التكلفة المتحملة من طرف المؤسسة في هذا المجال ما يقارب 2,4 مليار درهم.
وفي ما يتعلق بالمساعدة على السكن، أشار البقالي إلى تمكن ما يقرب من 160 ألف منخرط من اقتناء سكنهم الرئيسي بفضل برامج “فوغاليف” و”امتلاك”، إذ بلغت الالتزامات المالية للمؤسسة من الدعم ما يفوق 6 ملايير درهم.
وفي مجال التربية والتكوين، أبرز البقالي أن المؤسسة ت خ و ل حوالي ثلاثة آلاف منحة استحقاق سنويا، على مدى ثلاث سنوات، وذلك لفائدة أبناء الأستاذة المتفوقين في الباكلوريا بميزة حسن، لتبلغ قيمة غلافها المالي أكثر من 580 مليون درهم، في حين همت منحة التعليم الأولي أكثر من 125 ألف مستفيد، مقابل غلاف مالي بأكثر من 250 مليون درهم.
وقال إن هذه الخدمات المتعددة تجسد المساهمة الجادة والمستمرة للمؤسسة في مسار الإصلاح منذ بداية الألفية الثالثة، مشيرا إلى أنه تقرر الالتزام برصد غلاف مالي سنوي مهم على مدى السنوات الثلاث المقبلة لدعم جهود تنزيل الأوراش الرامية لتقوية وتطوير قدرات ومهارات نساء ورجال التعليم.
ويهدف المنتدى، الذي يجمع ثلاثة آلاف أستاذة وأستاذ من جميع ربوع المملكة، إلى تسليط الضوء على الدور المحوري الذي يقوم به الأساتذة في تحول المدرسة العمومية، بما يتماشى مع تطلعات المواطنات والمواطنين .
ويتضمن البرنامج العلمي لهذا المنتدى أكثر من 150 مداخلة ونشاطا، حول أربعة محاور رئيسية تهم التكوين في مهنة التدريس، والتفتح في العمل، وتبني ممارسات فعالة في القسم، و”كيف نفهم تلاميذنا”، إذ يشكل فضاء مخصصا للأستاذات والأساتذة ومهنيي قطاع التربية والتكوين المسجلين من طرف الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية وفقا لمعايير تشمل التمثيلية الترابية، والنوع، وسلك التدريس والقدرة على التقاسم مع باقي الأساتذة والفئات العمرية ومستويات الخبرة، وذلك ضمانا لتمثيلية عادلة، وكذا إغناء للحوار وتعزيزا للدينامية بين الأجيال على وجه الخصوص.
ويسعى هذا المنتدى، المنظم على مدى يومين، إلى أن يصبح موعدا سنويا من أجل توسيع مشاركة الأستاذات والأساتذة وتعزيز دينامية التحول النوعي للمدرسة العمومية، وذلك بانخراط فعال لنساء ورجال التعليم.