أكد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، خلال الجلسة الشهرية للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، المنعقدة اليوم الإثنين، والمخصصة لموضوع المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، أن الحديث عن الانتقالات التي تشهدها المقاولة الوطنية يقتضي استحضار أحد أبرز الإصلاحات الفارقة التي ميزت التجربة الحكومية الحالية، ويتعلق الأمر بإقرار ميثاق جديد للاستثمار منذ السنة الأولى من هذه الولاية، بعد مرور أزيد من 26 سنة على قانون الاستثمار في صيغته السابقة.
وأوضح رئيس الحكومة أن هذا الإطار التشريعي المتقدم يندرج في سياق تنفيذ التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، كما وردت في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة بتاريخ 14 أكتوبر 2022، حيث أكد جلالته حفظه الله على ضرورة أن يمنح الميثاق الوطني للاستثمار دفعة ملموسة لجاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية، مع رفع العراقيل التي ما تزال تحول دون تحقيق إقلاع حقيقي للاستثمار الوطني على مختلف المستويات.
وانطلاقا من هذا الطموح الملكي، أبرز أخنوش أن الحكومة عملت على إرساء ملامح استراتيجية شاملة لتشجيع وتنمية الاستثمارات، تقوم على نماذج حديثة للدعم، وتوفير بيئة شفافة ومحفزة للمستثمرين، مع تحريك عجلة الاقتصاد الترابي واستهداف دقيق للقطاعات ذات الأولوية. وأضاف أن هذه المقاربة لم تقتصر على الجوانب التقنية، بل حرصت الحكومة على تجسيد آثارها الملموسة على أرض الواقع، بما يعزز الثقة ويكرس الفعالية الاقتصادية.
وسجل رئيس الحكومة أن الميثاق الجديد للاستثمار، بما يتوفر عليه من قدرة تشغيلية عالية وقيمة مضافة غير مسبوقة، شكل أداة حقيقية لتعزيز العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية، وتحقيق توازن ترابي أفضل في توزيع منافع الاستثمار. وفي هذا الإطار، كشف أن اللجنة الوطنية للاستثمار عقدت، منذ دخول الميثاق حيز التنفيذ في مارس 2023، تسعة اجتماعات، تمت خلالها المصادقة على 250 مشروعا استثماريا، بقيمة إجمالية بلغت 414 مليار درهم، من المرتقب أن تساهم في إحداث 179 ألف فرصة شغل مباشرة وغير مباشرة.
وأوضح أن هذه المشاريع توزعت على جميع جهات المملكة، وشملت 49 إقليما وعمالة، و34 قطاعا اقتصاديا متنوعا، خاصة في مجالات السياحة والصناعة الغذائية وصناعة السيارات والنسيج، إلى جانب قطاعات حيوية أخرى كقطاع الطاقة ومواد البناء والصيدلة والكيمياء والصحة والنقل، بما يعكس شمولية المقاربة الحكومية وتنوع مجالات التدخل.
وبالموازاة مع ذلك، أكد أخنوش أن الحكومة تواكب هذا الزخم الاستثماري من خلال خارطة طريق طموحة لإصلاح مناخ الأعمال، تهدف إلى دعم التنافسية الوطنية وتحسين الشروط الهيكلية للاستثمار. وأبرز أنه تم إطلاق 98 في المائة من المبادرات والمشاريع المبرمجة، بنسبة إنجاز بلغت 63 في المائة، مع مواصلة العمل على استكمال ما تبقى منها في أفق سنة 2026.
وأضاف رئيس الحكومة أن هذه الإصلاحات تعكس توجها حكوميا واضحا نحو ضمان التقائية التدخلات، وتبسيط المساطر، وتطوير الخدمات الموجهة للمقاولات وحاملي المشاريع الاستثمارية، لاسيما عبر إحداث أنظمة معلوماتية حديثة وشبابيك وحيدة، من بينها نظام الإحداث الإلكتروني للمقاولات وفق مساطر مبسطة وآجال قصيرة. وأشار في هذا الصدد إلى أن هذه الآلية مكنت، خلال سنة 2025، من إحداث أزيد من 81 ألف مقاولة إلى غاية متم شهر شتنبر، بعدما تجاوز عدد المقاولات المحدثة 95 ألف مقاولة خلال السنة الماضية.
كما توقف أخنوش عند ورش الإدارة الرقمية، مبرزا أن تحديث بوابة الصفقات العمومية شكل خطوة متقدمة في تعزيز شفافية الطلبية العمومية وضمان سرعة وفعالية التنفيذ، بما يخدم مصالح المقاولات، خاصة الصغرى والصغيرة جدا. وعلى مستوى لاتمركز القرار الاستثماري، أوضح أن إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار يهدف إلى مواكبة المقاولات ودعم الدينامية الاقتصادية على المستوى الجهوي.
وأكد أنه تم لأول مرة إسناد صلاحية المصادقة والتوقيع على مشاريع اتفاقيات الاستثمار التي تقل قيمتها عن 250 مليون درهم إلى المراكز الجهوية للاستثمار واللجان الجهوية الموحدة، مبرزا أن هذه اللجان، بفضل تركيبتها المتعددة وصلاحياتها الواسعة، أصبحت تشكل إطارا مندمجا لاتخاذ القرار بشأن ملفات الاستثمار، ودراسة طلبات التحفيزات والامتيازات، وكذا الرخص والمساطر الإدارية المرتبطة بإنجاز المشاريع.
وفي هذا السياق، كشف رئيس الحكومة أن حصيلة تنزيل هذا النظام اللاممركز همت دراسة 103 مشاريع استثمارية على مستوى المراكز الجهوية للاستثمار، بحجم استثماري إجمالي يناهز 10 مليار درهم، تمت المصادقة على 55 مشروعا منها بقيمة 5,8 مليار درهم، من شأنها إحداث حوالي 10 آلاف منصب شغل مباشر وغير مباشر.
وأكد أخنوش على أن الحكومة تواصل تنزيل إصلاحات هيكلية موازية، تهم تعبئة العقار الصناعي وتنمية مناطق صناعية جديدة مستدامة ومنسجمة مع حاجيات المستثمرين والرهانات الترابية، إلى جانب مواصلة الإصلاح الجبائي الهادف إلى مراجعة النظام الضريبي للشركات وتعزيز العدالة الجبائية.
وشدد على أن الهدف من مجموع هذه الإصلاحات هو تحسين واقع المقاولة المغربية وتشجيع المبادرة الخاصة، مع معالجة مختلف الإكراهات التي كانت تعيق مناخ الأعمال وتحد من فعاليته، بما يعزز الثقة ويخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.




