افتتح رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، اليوم بالرباط، الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية، بكلمة وُصفت بالقوية، أعاد فيها التأكيد على أهمية الحوار الإفريقي–الإفريقي، وتعزيز التعاون البرلماني من أجل مواجهة التحديات المتصاعدة التي تعرفها القارة على المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وعبّر الطالبي العلمي، في بداية كلمته، عن اعتزاز المغرب باستضافة هذا الحدث البرلماني الرفيع، مجددًا الترحيب برؤساء وأعضاء البرلمانات الإفريقية، ومؤكدًا أن هذه الدورة تشكل محطة أساسية لترسيخ مكانة المؤتمر كقوة اقتراحية وفضاء للتفكير الجماعي في مستقبل إفريقيا، في انسجام مع عمل المنظمات البرلمانية الإقليمية والقارية.
وأكد رئيس مجلس النواب أن القارة الإفريقية ليست في حاجة إلى من يذكرها بتحدياتها، فهي تواجه اليوم عبئًا كبيرًا من النزاعات والأزمات وتنامي الإرهاب والانفصال، مشددًا على أن الإرهاب في السياق الإفريقي يتخذ أشكالًا أكثر فظاعة، تدمر المجتمعات وتدفع ملايين الأشخاص إلى النزوح واللجوء، وتُخلي المدارس من التلاميذ، وتحرم الأجيال من التعليم وتُغذي الجهل وتقوض الدولة والديمقراطية. وطالب بصرامة بإدانة تحالف الإرهاب والانفصال وكل أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود، معتبرًا أن أمن إفريقيا واستقرارها شرط أساسي لكل تنمية.
وأشار إلى المفارقة المناخية التي تعيشها القارة، باعتبارها أكثر مناطق العالم تضررًا من الاختلالات المناخية رغم مساهمتها المحدودة في الانبعاثات العالمية، بما لا يتجاوز 4%. وأبرز أن هذه التغيرات تقوّض الاستقرار وتدمّر مصادر العيش وتؤثر على جودة الحياة.
وتوقف الطالبي العلمي عند موضوع الهجرة، مذكرًا بتأكيد جلالة الملك محمد السادس، رائد الاتحاد الإفريقي في مجال الهجرة، على أن أغلبية المهاجرين الأفارقة يبقون داخل القارة. وأوضح أن هذا المعطى يحمل المسؤولية في تصحيح التمثلات الخاطئة عن الهجرة الإفريقية، والتصدي للادعاءات المغلوطة التي تستعملها بعض الأطراف لتشويه الصورة.
وانتقل رئيس مجلس النواب إلى التحديات الاستراتيجية الأعمق، وعلى رأسها الأمن الغذائي، إذ تعاني ملايين الأسر الإفريقية من الجوع وسوء التغذية، رغم أن القارة تمتلك أكثر من 60% من الأراضي الصالحة للزراعة عالميًا، وتتوفر على موارد مائية غنية. ورغم ذلك، تنفق الدول الإفريقية أكثر من 100 مليار دولار سنويًا لاستيراد 80% من حاجياتها من المواد الغذائية الأساسية، وهو ما يثقل ميزانياتها ويحرم مواطنيها من خدمات اجتماعية كان يمكن تمويلها بموارد داخلية.
وفي المجال الطاقي، أكد أن القارة تتوفر على إمكانات كبيرة لإنتاج الطاقة التقليدية والمتجددة، ومع ذلك يظل قرابة نصف سكانها محرومين من الكهرباء، مما يؤثر في التعليم والتنمية واستعمال التكنولوجيا. وأضاف أن ضعف البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ونقل وتدبير عمراني يظل من أبرز معضلات القارة التي تعيق التنمية.
ودعا الطالبي العلمي إلى إعادة طرح الأسئلة الجوهرية حول أسباب هذه المعضلات وسبل تجاوزها، مؤكدًا أن إفريقيا تمتلك إمكانات هائلة من الأراضي غير المستغلة، والموارد المائية والمعادن الاستراتيجية، فضلاً عن ثروات البحار والمحيطات. واعتبر أن هذه الإمكانات تجعل إفريقيا في قلب التنافس الدولي، بما يعني أن القارة ليست فقيرة، بل تحتاج إلى تحويل مواردها إلى ثروات عبر مشاريع كبرى مهيكلة.
وشدد على أن رهان التحول يستوجب عملًا جماعيًا وإرادة سياسية موحدة، والانتقال من منطق تدبير الأزمات إلى حلها، والقطع مع نزعات الانفصال والتدخل في شؤون الدول، واحترام سيادتها ووحدتها الترابية. وأبرز أهمية تفعيل منطقة التبادل الحر الإفريقية باعتبارها إطارًا قادرًا على إطلاق دينامية اقتصادية ضخمة، إذا تم تنفيذها كما يجب.
وتوقف عند المبادرات الملكية الرائدة التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، مثل مسلسل البلدان الإفريقية الأطلسية، والمبادرة الأطلسية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، ومشروع أنبوب الغاز الأطلسي، معتبرا أنها مشاريع استراتيجية كفيلة بتغيير وجه القارة وتعزيز البنيات التحتية وربط إفريقيا بالعالم.
وأكد أن إفريقيا تمتلك رصيدًا بشريًا ضخمًا من الشباب، الذين يتطلعون إلى الازدهار داخل بلدانهم، داعيًا إلى الاستثمار في هذه الطاقات واعتبارها فرصة للتنمية وليست عبئًا. كما شدد على ضرورة ترسيخ الديمقراطية ودولة المؤسسات، مع استحضار الهوية الإفريقية.
وختم الطالبي العلمي بالتأكيد على أن إفريقيا تحتاج اليوم إلى خطاب موحد أمام العالم، يدافع عن مصالحها وكرامة شعوبها، وأن البرلمانات الإفريقية تملك دورًا حيويًا في الانتقال من التشخيص إلى التنفيذ، والعمل على بناء إفريقيا قوية، موحدة، وقادرة على تحويل ثرواتها إلى ازدهار مشترك.








