سجلت فاطمة الزهراء الحساني، المستشارة البرلمانية عن فريق التجمع الوطني للأحرار، أول أمس الثلاثاء، حرص الحكومة، منذ تنصيبها، على إقرار سياسة لغوية قائمة على التوازن الوظيفي في استعمال اللغات الرسمية، تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، التي عززت من مكانة وسمو اللغات المغربية.
وأضافت، خلال مداخلتها لمناقشة تقرير السياسة اللغوية ضمن المجموعة اللغوية أن رئيس الحكومة حرص على ترسيخ هذا التوجه الواضح بعدما أشرف على أجرأة تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، من خلال رصد اعتمادات مالية وصلت إلى 800 مليون درهم في هذه السنة، وستصل إلى مليار درهم بحلول سنة 2026، وذلك لتمويل مختلف الإجراءات الحكومية التي وصلت إلى 25 إجراء يرنو إلى تحقيق التوازن اللغوي في السياسة اللغوية المغربية في مختلف القطاعات الحكومية.
وبخصوص قطاع التربية الوطنية، أفادت الخساني أن مختلف التدابير المتخذة مكنت من تحسين مؤشرات تدريس الأمازيغية، حيث بلغت نسبة تعميمها 31 في المائة في مدارس التعليم الابتدائي، كما تعمل الحكومة على تحقيق نسبة تغطية تصل إلى 50 في المائة خلال السنة الدراسية 2026/2025.
أما على مستوى الإدارة، تقول الحساني إن الحكومة كلفت 460 من الأطر بتسهيل التواصل مع المرتفقين الناطقين بالأمازيغية، كما عملت الحكومة على إدراج اللغة الأمازيغية في المواقع الإلكترونية الرسمية لجميع الإدارات والمؤسسات العمومية، وتخصيص 63 عونا مكلفا بالتواصل الهاتفي تم تعيينهم بمركز الاستقبال التابعة لقطاعات وزارية ومؤسسات عمومية.
وبالنسبة لقطاع الثقافة والإعلام والتواصل، أبرزت المستشارة البرلمانية أن الحكومة عملت على توفير الترجمة الفورية بالأمازيغية في اللقاءات الصحفية التي تعقب المجلس الحكومي عبر مترجمين متخصصين في اللغة الأمازيغية، كما عملت على دعم الأعمال الثقافية والفنية الأمازيغية.
وعلى المستوى القضائي، عملت الحكومة على توظيف فوج من المساعدين الاجتماعيين الناطقين بالأمازيغية لمواكبة المتقاضين الناطقين باللغة الأمازيغية، حسب ما أوردته الحساني.
“لا شك أن هذه الإجراءات التي ذكرناها آنفا هي جزء من الإجراءات التاريخية وغير المسبوقة لعمل هذه الحكومة في تعزيز التعددية اللغوية وروح الانتماء المشترك لأمتنا المغربية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ”، على حد تعبيرها.
من جهة أخرى، أفادت أن المرجعيات المؤطرة للسياسة اللغوية بالمملكة تتمثل في دستور 2011، والخطب الملكية السامية، والقوانين المؤطرة والمرجعية، وهي القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والقانوت التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والنموذج التنموي الجديد.
وأوضحت أن هاته المرجعيات المؤطرة أحدثت بموجبها داخل المجتمع دينامية لغوية مهدت الطريق للانتقال من الحالة الطبيعية للمكونات اللغوية الوطنية إلى التعددية كفعل سياسي ومؤسساتي، والتي قطعت بشكل واضح مع التيه اللغوي الذي ميز جزء كبير من التاريخ السياسي لبلادنا، لتنتقل بعد ذلك إلى بناء مشروع وطني ديمقراطي قائم على التعددية اللغوية للمملكة المغربية.
وأفادت أن اختيارات سياسية وقرارات سيادية قطعت مع التردد والارتجالية، وعدم الوضوح في تدبير المكونات اللغوية بالبلاد، أحدثت دينامية قوية همت بالأساس وضع ترسانة قانونية ساهمت بشكل كبير في بلورة مجموعة من التصورات والرؤى ووجهات النظر على مستوى مجموعة من القطاعات المرتبطة بموضوع نقاشنا اليوم.
وعلى الرغم من أهمية هذه المرجعيات والقرارات التي صاحبت تدبير هذا الورش المؤسساتي، ترى الحساني أن المدبر الحكومي السابق، خلال العشرية الأخيرة، عجز عن تنزيل هذه المرجعيات المؤطرة للسياسة اللغوية، ما أحدث نوعا من عدم التوازن في السياسة العمومية المرتبطة بالتدبير اللغوي، وارتباكا واضح في أجرأة المضامين الدستورية والقانونية التي كانت لها تداعياتها السلبية في إنصاف الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، باعتبارها مكونا أساسيا للهوية المغربية ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة.
“هذا الاختلال الواضح في تحقيق التوازنات المطلوبة لاستكمال البناء المؤسساتي، تحكمت فيه هواجس إديولوجية لم تستوعب بعد بأن المغرب اختار عن قناعة راسخة بناء نموذجه الوطني، المنسجم مع هويته الحضارية، والبعيد كل البعد عن كل التصنبفات الإيديولوجية المهترئة التي يحاول البعض بائسا فرضها على تربتنا الطاهرة، التي رفضت ولا زالت ترفض كل مظاهر الاستيلاب الثقافي والهوياتي”، تضيف الحساني.
ومن مظاهر هذه الاختلالات والترددات التي رافقت السياسات اللغوية خلال العشرية السابقة، تطرقت الحساني إلى طريقة التعاطي الحكومي مع الهندسة اللغوية في التعليم والإعلام والقضاء والإدارة العمومية، مبرزة أنها اتسمت بعدم الوضوح والتطبيق غير المتسق، حيث أن “السياسة اللغوية في البلاد تفتقر إلى الوضوح الكافي في تحديد الأدوار والمجالات للغات المستعملة، ما يؤدي إلى عدم التوازن في توظيف اللغات الرسمية، لا سيما استعمال اللغة الأمازيغية في هذه المجالات”، حسب قولها.
ولمواكبة الإصلاحات التي تتخذها الحكومة اليوم، دعم الحساني إلى تعزيز هذا التراكم، والمسار الذي قطعته البلاد، في ترسيخ روح الانتماء لثوابت الأمة المغربية، في إطار مشروع وطني ينتصر لقيم التعدد والاختلاف، ويحتضن جميع مكونات الهوية المغربية.
وشددت، باسم فريق التجمع الوطني للأحرار، على التشبث الدائم والمطلق بالمرجعيات الدستورية والقانونية وبالتوجيهات الملكية السامية لإرساء سياسة لغوية قائمة على التوازن في استعمال اللغات الرسمية، لتكون البلاد مرجعية إقليمية ودولية في احترام التعددية اللغوية والثقافية.
وأمام هذا التراكم الإيجابي والذي يريده جلالة الملك للمملكة، أكدت الحساني على أن مصداقية المغرب بوأته المكانة الكبرى في المحافل الدولية، كان آخرها انتخابه على رأس مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.