أكد مصطفى مشارك، المستشار البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار، أمس الثلاثاء بمجلس المستشارين، أن حصيلة الحوار الاجتماعي حصيلة تاريخية وغير مسبوقة، سواء فيما يتعلق بمَضمون النتائج، أو في نوع المقَاربة المُتَبَعَة والمتأَسِسَة على الإنصات والاستماع والنقاش، أو فيما يتعلق كذلك بِوَقْعِ و أَثَرِ هذه النتائج على مُختلَف الفئات النشيطة في المجتمع، ما جَعَلَهَا تَخْلُقُ ارتياحا لدى هذه الفئات.
في هذا الصدد، نوّه مشارك خلال الجلسة العامة للمساءلة الشهرية، بإرادة الحكومة في الارْتِقَاء بِمَأْسَسَة الحوار الاجتماعي، معتبرا في فريق الأحرار استكمالا للحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، التي خَلَقَتْ الحدث بامتياز، مردفا “ليس فقط بالنظر الى كونها اسْتَأْثَرَت باهتمام النقاش العمومي على نطاق واسع. بَلْ لأنها أَدَتْ الى إِحداث وَقْعِ ملموس على مُختلَف مكونات المجتمع بِحُكم شمولية الإصلاحات واستهداف البرامج لفئات واسعة من المجتمع، مما يُثْبِتُ بُعْدَ نَظَرِ الحكومة ومُقَارَبتِها المتميزة في التفاعل السريع مع التَوْجِيهَات والإشارات الملكية السامية”.
وقال مشارك: “هذه النتائج المُثْمِرة تؤكد بأن هذه الحكومة هي حكومة التحديات وحكومة الكلمة والوفاء بالالتزامات، وحكومة القول والفعل، وحكومة المبادرات وابتكار الحلول” .
وأوضح أن هذه الحكومة منذ تنصيبها، جَعَلَتْ الحوار الاجتماعي خيارا استراتيجيا، هدفه بناء تعاقد اجتماعي متين ودائم ومتفق عليه، قائم على تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال مَأْسَسَتِهِ وجَعْلِه فضاء للإصلاح المَبْنِي على التوافقات الاجتماعية مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، بِاعْتِبَارِه صَمَّامَ أمَانْ السِّلمِ الاجتماعي و مُحَفِزْ على تعزيز مَنسُوب الثقة وتَعمِيق الإصلاح لتنشيط الاستثمار .
وأشار في نفس الوقت إلى أن الحكومة تحملت مسؤولية تدبير الشأن العام في ظرفية وطنية ودولية جد صعبة، تتميز بتوالي سنوات الجفاف، ومستوى عالي من التضخم المستورد، ومُخَلَفَاتْ جائحة كورونا، وأزمات دولية أَثَرَتْ بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، إضافة إلى أن الحكومة وجدت رصيدا سلبيا في موضوع الحوار الاجتماعي تَطْبَعُهُ أزمة حوار مع فئات اجتماعية اِمْتَدَت لسنوات طويلة، خَلَّفَتْ جُمُودَا في الوضعية المادية، وحوار اجتماعي ظَرْفِي وغير مُنَظَّمْ غالبا ما كان يُجْرَى تحت الضغط، وجُمُود أجور الموظفين لسنوات طوال، رغم ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وهو جُمود امتد لأكثر من 17 سنة، وجُمُود الحد الأدنى لِلْأَجْر بالنسبة للعمال في القطاع الخاص الفلاحي وغير الفلاحي.
في المقابل، يضيف مشارك، الحكومة لم تتستر وراء الأزمة، ولم تجعلها ذَرِيعَة لِلتَمَلُّص من مسؤوليتها، بل على العكس من ذلك واجهت التحديات بعَزِيَمة وحَزْم، و بإرادة و جرأة، وباشرت مُعالجة الملفات والقضايا الاجتماعية، التي كانت عالقة منذ سنوات، واستمعت للجميع و تَفَاعلت مع المطالب الاجتماعية بكل اهتمام و جدية.
وفي النهاية، أكد المستشار البرلماني أن الحكومة تمكنت من مَأْسَسة الحوار الاجتماعي، وحققت إصلاحات اجتماعية رَصِينَة تَخْدُم ورش الدولة الاجتماعية واستجابت للمطالب المشروعة التي ظَلَّت تؤجل لسنوات، وقدمت أقصى ما يمكن تقديمه، للدلالة على ذلك تحملات جديدة برسم الزيادة في الأجور بمفردها تصل إلى 45 مليار درهم.
وشدد على أن ما حققته هذه الحكومة في هذا الظّرف الوجيز أثار ذهول البعض، لا سيما أولئك الذين طالما شَككوا في قُدُرَات الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، مردفا: “للأسف لاحظنا كيف كانت هذه الحصيلة الُمُتمَيزَة صَدْمَة لهؤلاء.. لكن تأكدوا السيد الرئيس أنكم بهذه المُنجزَات رفعتم السَقْفَ عاليا لا سيما في ظرفية غير مساعدة، ولذلك طبيعي أن يصَاب خصوم النجاح بالهذيانِ والارتباك”.
وتابع: “اليوم نحن أمام حصيلة حكومية مُشْرفة ونتائج مُذْهلة للحوار الاجتماعي لم تتحقق للطبقة العاملة منذ سنوات وكانت ِبمَثَابَة حُلم صعب المَنال، لكن بفضل الإصلاحات الجِبَائِية للحكومة، التي بثت رُوح الابتكار في موارد الدولة تمكنتم من تحويل هذا الحلم الى حقيقة، فهنيئا للطبقة العاملة بهذه المكتسبات، و هنيئا لها ِبمَأْسَسَة الحوار الاجتماعي، من خلال انتظام دوريَة هذا الحوار و من خلال تخصيصِ كل دورة لقضايا وملفات مطلبية ُمحَدَدَة”.
وأكد مشارك على تثمين فريق الأحرار، لجهود الحكومة لإصلاح منظومة التعليم الرَامِي إلى تأهيل المدرسة العمومية لمواجهة تحديات اقتصاد المَعرفة ، مشيرا إلى أن هذا الإصلاح أدى إلى القطع بشكل كامل ولا رجعة فيه مع ما كان يصطلح عليه بأساتذة التعاقد، من خلال إدماجِهِم، ومنحهِم صِفَةَ الموظف الرسمي العمومي في حدث وطني غير مسبوق، مردفا “قَدَرُ هذه الحكومة السيد الرئيس أن تَتَحَمَلَ تكاليف إصلاح ما أَفْسَدَهُ من سَبَقَهَا وأن تتجشّم وزرَ مواصلة تفعيل ورش الدولة الاجتماعية”.
وبالنسبة لإصلاح وضعية العاملين في قطاع الصحة، قال مشارك إنه إصلاح يدخل في إطار تأهيل هذا القطاع الاستراتيجي والحيوي بهدف تَجوِيدِ مُخْتلَف الخدمات الصحية لفائدة المواطنين والمواطنات إيمانا بدور الأطر والكفاءات الطبية في تَنزِيلِ مختلف السياسات العمومية والتَوَجُّهَات الملكية لهذا القطاع وعلى رأسها تعميم الحماية الاجتماعية.
وأشار إلى أن هذه النتائج لم تكن لتتحقق لولا الانخراط المسؤول والجِدِي للمركزيات النقابية التي لا تَفُوتنِي الفرصة للتَنْويه بمجهوداتها وتعاونها الُثمِر لإنجاح دورات الحوار الاجتماعي بكل مسؤولية، منوّها كطلك بمجهودات الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ومن خلاله المقاولات الوطنية المساهمة بِمُقَارَبتِها الجديدة في الحفاظ على السلم الاجتماعي.
وأكد أن انْسِجام مكونات الحكومة، يُشَكِلُ عنصرا أساسيا في نجاح المبادرات الحكومية، مضيفا “لقد أَرجَعَت الحكومة لمؤسستها الاعتبار من خلال التدخل و التحكيم و تَبْدِيدِ سوء الفهم وبسرعة في عدد من القضايا، منها الملف المطلبي لرجال التعليم العالي، والمحامون، وموظفو وزارة التربية الوطنية وغيرهم”.
إثر ذلك، أبرز مشارك أن الحوار الاجتماعي مَسَار مُسْتمر ومُتَوَاصِل بغاية استكمال بناء الدولة الاجتماعية في شموليتها، بما يَكْفَلُ تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المُنْدَمِجَة لكل مكونات المجتمع، مؤكدا دعم الفريق للحكومة في مباشرة كل الإصلاحات التي بادرت إليها، مطالبا في هذا الصدد بالتسريع الفوري بمناقشة القانون التنظيمي للإضراب.
وأشار إلى أن هذا القانون التنظيمي يَكْتَسِي طابعا استعجاليا، مردفا “ولنا اليقين أنه بذكائنا الجماعي قادرون على إيجاد التوافقات المطلوبة بين مختلف الفاعلين وبروح وطنية عالية بما يَضمن مراعاة المصلحة العامة للبلاد”.