استعرض عابد بادل، المستشار البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار، التقرير الذي أعدته لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، بمناسبة انتهائها من دراسة مشروع قانون المالية رقم 55.23 للسنة المالية 2024 كما أحيل عليها من مجلس النواب.
وأكد بادل بهذه المناسبة أن عددا من المستشارين خلال اللجنة نوهوا بالتزام الحكومة بتنزيل الجدولة الزمنية التي حددها جلالة الملك والتي تضمنها القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، وذلك في إطار مأسسة الدولة الاجتماعية، والتي همت تعميم التغطية الصحية الإجبارية من خلال تأهيل المنظومة الصحية الوطنية، بإخراج كل الترسانة القانونية والتنظيمية ذات الصلة، مثمنين قرار الرفع من ميزانيتها في رقم غير مسبوق إضافة إلى إطلاق برنامج الدعم المباشر، وتخصيص اعتمادات مالية لصندوق المقاصة مع وضع خارطة طريق لإصلاح المنظومة التربوية، ومواصلة الجهود الوطنية لإصلاح منظومة العدالة، معتبرين أن هذه الإصلاحات ستنقلنا من المقاربة الليبرالية إلى مقاربة الدولة الاجتماعية.
من جهة أخرى، عبر بادل، الذي يشغل أيضا مهمة مقرر لجنة المالية، عن إشادته بالمجهودات التي تبذلها نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، وفوزي لقجع، وزير الميزانية، وجميع مدراء وأطر الوزارة، مشيرا أنهم تقدموا بمعطيات وأرقام مكتوبة وموثقة معززة بكل المؤشرات، ساهمت في تحسين مقرؤية مضامين المشروع، الشيء الذي رفع من مستوى مناقشته في جو ساده التوافق والتعاون، كما قال.
وفي تفاصيل التقرير، أفاد أن اللجنة عقدت اجتماعها بتاريخ 16 نونبر، قدمت خلاله وزيرة الاقتصاد والمالية عرضا مفصلا ومرقما حول مشروع قانون مالية لسنة 2024، مشيرا إلى أنها تطرقت فيه لظروف وسياقات إعداده وفق الإطار المرجعي المستمد من التوجهات الملكية المتضمنة في الخطب الملكية والبرنامج الحكومي.
وانبنى عرض فتاح، حسب بادل على عدد من الفرضيات، من بينها نمو الناتج الداخلي الخام: 3,7 %؛ عجز الميزانية: 4%؛ محصول الحبوب: 75 مليون قنطار؛ سعر غاز البوتان: 500 دولار للطن؛ معدل التضخم: 2,5. %؛ الطلب الدولي الموجه للمغرب (دون احتساب منتوجات الفوسفاط ومشتقاته): 2,9%؛ سعر صرف الأورو مقابل الدولار: 1,08.
وأشار إلى أن الوزيرة تطرقت للتوجهات العامة للمشروع الذي استند على أربع مرتكزات أساسية وهي: تنزيل برنامج اعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، ومواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز استدامة المالية العمومية.
وأورد أن المناقشة العامة لمضامين مشروع القانون المالي رقم 55.23 للسنة المالية 2024 تطرقت لسياقات اعداده الوطنية والدولية، وللفرضيات التي بني على أساسها، حيث أشير إلى أن المستشارين أبدو، أغلبية ومعارضة، ملاحظات تضمنت على الخصوص تداعيات استمرار الضغوط التضخمية والتوترات الجيوسياسية وتوالي الصدمات الاقتصادية التي أثرت في نسبة النمو، متطرقة إلى الصعوبات التي يعرفها الاقتصاد الوطني جراء استمرار موجة الغلاء في المواد الأساسية والارتفاع المضطرد لأسعار المحروقات، الجفاف، إضافة إلى تداعيات الزلزال.
وعبر المتدخلون، يضيف بادل، عن الفخر والاعتزاز بما حققته الدبلوماسية المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده من انتصارات ونجاحات، بفعل اقتناع مجموعة من الدول لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وفي هذا الصدد، “تمت الإشادة بالقرار الجديد لمجلس الأمن رقم 2703 الذي يكرس قوة ومكانة ومصداقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي ضحدت كل الأطروحات المتجاوزة لخصوم الوحدة الترابية للمملكة”، يتابع المستشار البرلماني.
كما توجه المستشارون، حسب بادل، بتحية إجلال وتقدير للقوات المسلحة الملكية، ولرجال الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة ورجال الوقاية المدنية والإدارة الترابية على تعبئتهم وتجندهم الدائم، وعلى ما قدموه من تضحيات جسام لاحتضان ضحايا زلزال الحوز، وعلى صمودهم ومرابطتهم على الحدود ضماناً لأمن واستقرار بلدنا.
المتدخلون نوهو أيضا، يضيف بادل، بمجهودات الحكومة في إطلاق البرنامج الاستعجالي لإيواء المتضررين من الزلزال المؤلم واحتضان الساكنة المتضررة في أرقى أشكال التضامن والتآزر التي أبان عنها الشعب المغربي عززت للتميز المغربي، مشدين بالدعم والتضامن الذي عبرت عنه كل الدول الصديقة والشقيقة للمملكة.
مقابل ذلك، أفاد بادل في تقريره أن المستشارين أدانوا ما يتعرض له المدنيون في غزة الصامدة من حرب الإبادة التي يشنها العدوان الإسرائيلي، منوهين بما تقدمه المملكة المغربية من كل أنواع الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، رئيس لجنة القدس.
وأبرز بادل أن المستشارين عبروا أيضا عن اعتزازهم وفخرهم لاحتضان بلادنا شرف تنظيم كأس إفريقيا لكرة القدم سنة 2025 وكأس العالم لكرة القدم سنة 2030 في إطار ملف الترشيح المشترك “المغرب – اسبانيا – البرتغال” لما يمثله من إشادة واعتراف بالمكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب بين الأمم الكبرى والذي احتضن اكبر التظاهرات العالمية وعلى راسها اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. مهنئين السيد فوزي لقجع على ثقة جلالة الملك الذي عينه رئيسا للجنة تنظيم المونديال.
وبخصوص الفرضيات التي انبنى عليها المشروع، أفاد بادل أن الاغلبية اعتبرتها فرضيات واقعية تراعي المحيط الجيوسياسي المتقلب، وتنسجم مع ماهو معمول به لدى مختلف المؤسسات الدولية ومبنية وفق منهجية علمية بخصوصيات مغربية تراعي تركيبة الاقتصاد الوطني.
وبالمقابل، “اعتبرت مداخلات فرق المعارضة أن الفرضيات والمؤشرات التي انبنى عليها مشروع قانون المالية غير واقعية ومتجاوزة وصعبة التحقق، وأنها فرضيات تقفز على الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي، وبالغت في التفاؤل وتحمل في طياتها أسئلة كبيرة حول صدقيتها وإمكانية تحققها لاسيما في ظل السياق الدولي والوطني الاستثنائي”، كما أشار إلى ذلك بادل.
وفيما يرتبط بالمحور الضريبي، “ثمن المتدخلون مواصلة الحكومة التنزيل الفعلي للقانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، الذي اطر العدالة الضريبية، ووضع نظام ضريبي مستقر، مبسط وشفاف، يجذب المستثمرين ويساهم في تحسين مناخ الأعمال، مسجلين إلتزام الحكومة بمواصلة الإصلاح من خلال فتح ورش إصلاح الضريبة على الدخل السنة المقبلة، لتعزيز ثقة المستثمرين، علاوة على توسيع الوعاء الضريبي من خلال اعتماد مقاربة فعالة ومحفزة تدمج القطاع غيرالمهيكل والذي لا زال يمثل 30 % من الناتج الداخلي الخام ويشغل حوالي 4 ملايين شخص. كما أجمع المتدخلون على ضرورة التعجيل بإطلاق ورش إصلاح الجبايات المحلية”، حسب قول المستشار البرلماني.
وفيما يخص المحور الاقتصادي، أفاد بادل أن المواقف اختلفت بين مختلف المكونات السياسية والنقابية، بين اتجاه ينوه بالتدابير الحكومية المتخذة خلال سنة 2023 والتي همت أساسا الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين لتعزيز السلم الاجتماعي ودعم النسيج المقاولاتي عبر ضخ ميزانية تفوق 40 مليار درهم لدعم المواد الأساسية، وعلى رأسها مواصلة دعم مهنيي النقل، المحافظة على أسعار الماء والكهرباء، فضلاً عن حماية الرأسمال الحيواني، وتخصيص دعم غير مسبوق لمختلف السلاسل النباتية و الحيوانية من خلال تعبئة 10 مليار درهم لمواجهة آثار الجفاف، في حين استندت مداخلات أخرى على إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط في مناقشة المشروع والداعية الى تأهيل النسيج الاقتصادي بهدف الرفع من نسبة الصادرات على حساب الواردات.
وفيما يرتبط بالمقاولة، أفاد بادل أنه تم التذكير بالدور الرئيسي الذي تلعبه في إنعاش الاقتصاد الوطني عبر المساهمة في مداخيل الدولة كونها الإطار الرئيسي لخلق القيمة المضافة وإحداث فرص الشغل وامام ثقل الازمة، تمت الدعوة إلى مواصلة اتخاذ تدابير تحفيزية لإنعاش وانقاد المقاولة.
أما فيما يتعلق بالمحور المالي، سجل بادل تنويه المستشارين بالتدابير الحكومية الرامية إلى دعم وتمويل الاقتصاد الوطني من خلال إصدار مجموعة من النصوص القانونية، “إلا ان ذلك لازال محدودا في غياب إرادة حقيقية للابناك لتمويل الاقتصاد الوطني حيث اعتبرت بعض المداخلات أن هذا أن المشروع به أعطاب واختلالات بنيوية وهيكلية تبرز جليا في تفاقم الدين العمومي الذي بلغ إلى غاية يونيو 2023 حوالي 1010 مليار درهم، منها 244 مليار درهم ديونا خارجية، خصصت الحكومة لأداء أقساط الفوائد اعتمادات قدرت ب 38,2 مليار درهم خلال سنة 2024″، كما قال.
وفي الشق المرتبط بإصلاح القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13، أشار بادل إلى أنه تمت الإشادة بفتح هذا الورش الإصلاحي، وذلك من أجل تعزيز دور البرلمان في أداء وظيفته الرقابية، مع المطالبة باعتماد البرمجة الميزانياتية لمدة 5 سنوات بدل 3 سنوات، أما بالنسبة للقانون المتعلق بمدونة التجارة وبسن أحكام انتقالية خاصة بآجال الأداء، أفاد بعض المتدخلين، حسب بادل، بأن بعض مقتضياته تثير عدة صعوبات باعتبار أن التجارة تخضع للأعراف ومبدأ سلطان الإرادة ، كما أن فرض المشرع احترام آجال الأداء بقواعد آمرة ربما سيؤثر على سيرورة التجارة ،لذلك طالبوا بإجراء تقييم وتتبع آثر المقتضى القانوني الذي يلزم الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين أن يقدموا للإدارة تصريحا مؤشرا عليه من طرف مراقب الحسابات أو خبير محاسبي أو محاسب معتمد .
وفيما يرتبط بمحور الاستثمار، “تم التذكير بدور الاستثمار في تحريك الدورة الاقتصادية الوطنية، وفي تقوية النمو والتقليص من البطالة، مع التنويه بالتنزيل السريع لقانون الإطار المتعلق بالاستثمار، وبتفعيل نصوصه التطبيقية، وهو ما سيؤدي إلى تحويل نسبة الاستثمارات إلى الثلثين بالنسبة للقطاع الخاص والثلث للقطاع العام في أفق سنة 2035، وتعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، مع خلق 500 ألف منصب شغل في أفق سنة 2026. فضلا عن تثمين حصيلة أجرأة ميثاق الاستثمار ومواصلة الاستثمار في الطاقات المتجددة لضمان السيادة الطاقية، كما طالبو بفتح ورش الاستثمار في الاقتصاد الأزرق مشيدين في هذا الإطار بالتعديلات التي ادخلها مجلسنا الموقر على هذا المشروع والرامية إلى مأهيل قطاع الصيد البحري”، على حد تعبير بادل.
وفيما يخص المحور الاجتماعي، أفاد أن العديد من المتدخلين نوهوا ببرنامج الدعم الاجتماعي المباشر والأسر الفقيرة والهشة، معتبرينه ثورة جديدة في مجال التعاقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، بالرغم من الظرفية الصعبة. كما تمت الإشادة بالبرنامج الملكي للدعم المباشر للسكن، حيث طالبوا بتعميم هذا البرنامج على المناطق القروية والجبلية التي لم تستفد من برامج السكن الاجتماعي وبرامج محاربة السكن غير اللائق وفقا للمعايير والمقاييس التي تمكن الأسر الاستفادة من هذا البرنامج.
وفيما يرتبط بأجرأة وتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، أشار بادل إلى أن المستشارين ثمنوا برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية لاسيما مؤشرات تمدرس الفتيات بالعالم القروي، وتحسين ظروف التزود بالماء الصالح للشرب والكهرباء، مع الدعوة إلى تمكين الجهات من الإمكانيات اللوجستية والموارد البشرية، حيث طالبوا بضرورة تسريع ورش اللاتمركز الإداري.
في معرض جوابها، أشار بادل إلى أن الوزيرة فتاح ذكرت أن الإطار المرجعي لإعداد هذا المشروع يندرج في إطار تنزيل الخطب الملكية السامية والتزامات البرنامج الحكومي، يأخذ بعين الاعتبار السياق الدولي الموسوم بتوالي الأزمات وتأثيره على ميزانية الدولة، وكذا السياق الوطني الاستثنائي والصعب، موضحة أن بلادنا استطاعت تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الحفاظ على وثيرة التقدم الاقتصادي والاجتماعي ومواصلة تنزيل الأوراش الكبرى وهو ما يبين مناعة الاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات مؤكدة على شجاعة الحكومة التي لم تختبا وراء الازمة ولم تلجا الى قانون مالي تعديلي.
وفي الشق المرتبط بدعم القدرة الشرائية للمواطنين، ذكرت الوزيرة بالعديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ سنة 2022، وعلى رأسها مأسسة الحوار الاجتماعي، الذي خصصت له اعتمادات مالية بلغت 14 مليار درهم، مما انعكس إيجاباً على الطبقة المتوسطة، داعية إلى التعاون بين جميع الفاعلين للإسراع بإخراج قانون الإضراب ومدونة الشغل إلى حيز الوجود.
وبالنسبة للقجع، أفاد بادل أنه أكد أن الحكومة تعمل على تجسيد اختياراتها في مشروع قانون المالية، وقدمت كل التوضيحات اللازمة بشانها، وأن المعطيات والمؤشرات المعتمدة تتسم بالدقة في ظل تقاسم جميع الأطراف صحة هذه الأرقام. مبرزاً أن الاختلاف في الآراء حولها مدخل أساسي لتعزيز الخيار الديمقراطي ببلادنا، رافضاً التشكيك في صحة الأرقام والمؤشرات المعتمدة في وضع الفرضيات التي بني عليها مشروع قانون المالية. مؤكدا على استعداد الحكومة لتقديم إيضاحات للسيدات والسادة المستشارين حولها و التفاعل مع الفرضيات البديلة ان وجدت وذلك في إطار المسؤولية الدستورية المشتركة ما بين الحكومة والبرلمان.
كما أكد على أن المغرب عرف الجفاف منذ ثمانينيات القرن الماضي وأنه تم إعداد إستراتيجية الماء سنة 2009، وكان متوقعاً أن يتم انجاز الشطر الأول منها خلال سنة 2013، وكذا انجاز محطة تحلية مياه البحر بمدينة الدار البيضاء سنة 2014 والتي تهم تحلية 300 مليون لتر مكعب، موضحاً أن أزمة الماء راجع إلى سببين رئيسيين هما التأخر في انجاز المشاريع المبرمجة، وتعاقب سنوات الجفاف على بلادنا، وأنه أمام هذا الوضع الاستثنائي فإن الحكومة تضع ضمن أولوياتها حل أزمة الماء وباشرت العملية بالسرعة المطلوبة .
وبخصوص إصلاح صندوق المقاصة، أفاد الوزير أن خيار الحكومة هو تسقيف الأسعار في أفق 2026. مبرزاً أنه بحجة مكافحة الفقر والهشاشة تم صرف الاعتمادات المخصصة لصندوق المقاصة والتي بلغت 150 مليار درهم منذ سنة 2015. استفاد منها الميسورون أكثر.
وخلص الوزير إلى أن الاختيارات الاقتصادية التي تعتمدها الحكومة واضحة وذلك في إطار مشروع مجتمعي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده،و تشتغل الحكومة بإرادة قوية لتنزيله في 2030 لبناء مغرب جديد.
وفي ختام تقريره، أفاد بادل أن اللجنة صادقت على التعديلات المقدمة وعلى مواد مشروع القانون وأبوابه، وعند عرض الجزء الأول من مشروع قانون المالية رقم 55.23 للسنة المالية 2024 على التصويت، وافقت عليه اللجنة.