أكد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، اليوم الثلاثاء بالرباط، أن التمكين الاقتصادي والاجتماعي للإنسان والشغل المدر للدخل والمطمئن على المستقبل، هو ما ييسر مشاركته في التنمية والإنتاج وفي تدبير الشأن العام.
وأبرز الطالبي العلمي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى البرلماني الدولي السابع للعدالة الاجتماعية الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في موضوع “الرأسمال البشري: رافعة أساسية للعدالة الاجتماعية”، أن “المملكة أسست نموذجها المجتمعي على التضامن والتكافل والاهتمام بالإنسان، مشيرا إلى أن هذا النموذج يتقوى وتتسارع وتيرة إنجازه وتتعدد مداخله منذ أكثر من عقدين من الزمن برعاية ملكية متواصلة، تصورا وإعمالا في الميدان”.
ولفت في هذا الصدد إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تعتبر “عنوانا بارزا لهذا النموذج المجتمعي، إذ تتوجه بمشاريعها وتعبئ إمكانياتها لمحاربة الهشاشة وتيسير التمدرس، وخاصة تمدرس الفتيات في الوسط القروي، وتأطير مبادرات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني المدر للدخل، وتوفير الماء الصالح للشرب في العالم القروي، وبناء وتدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية وإعادة الإدماج، والتكوين والتدريب”.
وأشار إلى أن المملكة نجحت في توفير التغطية الصحية لأزيد من 23 مليون فرد يستفيدون من هذا النظام بشكل ممأسس ومنظم يكفل الخدمة العمومية الصحية في إطار ضوابط قانونية عصرية، مشددا على ضرورة تقدير هذا المنجز حق قدره، لما يتطلبه من اعتمادات مالية وموارد بشرية وبنيات وتجهيزات أساسية، خاصة بالنظر للسياق الذي تحقق فيه والمطبوع بالحروب والأزمات الدولية المتتالية وتداعياتها.
وأكد رئيس مجلس النواب على أن “طموحنا الجماعي هو بناء الفرد المتشبت بقيمه الوطنية والمنفتح على العالم والمدافع عن مؤسساته والمشارك في تدبير الشأن العام والمستقل في تفكيره والمتخذ لقراراته عن اقتناع وعن وعي”، لافتا إلى القيم الإيجابية تتعرض للطمس أحيانا أو التهجين أحيانا أخرى، بسبب ما يغمرها من أخبار مضللة ومعلومات زائفة في عالم مفتوح زالت فيه كل الحدود الفكرية.
وبعد أن أبرز أهمية الاستثمار في في التربية والتكوين والتعليم والثقافة والابتكار، دعا الطالبي العلمي إلى أن يكون للإنفاق العمومي الهام والإرادي على قطاع التربية والتكوين الأثر الملموس المتوخى على تحسن المؤشرات المتعلقة بالقطاع، مؤكدا أن ربح رهان استعادة الدور المركزي للمدرسة والجامعة في المجتمع وفي بنينة القيم ستكون له نتائج إيجابية في مجموع القطاعات.
كما تطرق إلى مركزية دور الأسرة في التنشئة والتربية على الانضباط والوفاء وربط الحق بالواجب، ودور وسائل الإعلام والتواصل في تأطير النقاش العمومي والاسهام في ترسيخ الوعي الوطني وتكريس الاختلاف وبناء الشخصية الوطنية، داعيا في هذا الصدد إلى التوقف عند استعمالات التكنولوجيات الجديدة في التواصل من حيث المحتويات والخطابات، ومن حيث توظيفها في الإدارة والحياة العامة.
ونادى الطالبي العلمي أيضا، بتمكين النساء وكفالة حقوقهن انطلاقا من رهان المساواة والإنصاف والاستقلالية، وإدماجهن في الديناميات الاقتصادية والاجتماعية، وتيسير مشاركتهن في المسؤوليات العمومية التمثيلية والتنفيذية، بالموازاة مع “الاهتمام بالنساء والرجال الذين ساهموا في بناء مغرب اليوم، أي العجائز والشيوخ والكهول الذين ينبغي حفظ كرامتهم ورعايتهم”، مشددا على أن الأمر يتعلق بواجب ديني ومجتمعي وأخلاقي.
وتوقف رئيس مجلس النواب في معرض كلمته عند النجاحات التي حققتها المملكة، مستعرضا محطات تاريخية مضيئة، ومنها “نجاحها بقيادة ملوكها الثلاثة في انتزاع الاستقلال الوطني بفضل كفاح مرير، هو اليوم نموذج يدرس في العالم، ث م في بناء المؤسسات وتحقيق نموذ ج ها الديموقراطي المؤسساتي، بالموازاة مع تحقيق نجاحات كبرى في مجال التجهيزات الأساسية من سدود وطرق وموانئ ومطارات، وفي مجال الخدمات الأساسية، من كهرباء وماء شروب وصحة وتعليم”.
وخلص إلى القول “إن صيانة هذا النموذج المغربي، وتطويره، وهذا الصعود الذي يبنى على التراكم، رهين بمدى تملكه من طرف الجميع، وب مدى شعور المغاربة بأنه يمثلهم ويف يدهم ويستجيب لطموحات هم وتطلعات هم. وم ن هنا أهمية الاستثمار في الموارد البشرية”.
وتتميز الدورة السابعة لمنتدى العدالة الاجتماعية، التي تنظم بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بمشاركة واسعة لمسؤولين حكوميين وبرلمانيين وخبراء وأساتذة، وكذا ممثلي الهيئات السياسية والتنظيمات المهنية والنقابية، فضلا عن مختلف المنظمات الدولية.
ويندرج اختيار “الرأسمال البشري” موضوعا لهذه الدورة، التي تتزامن والاحتفاء باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية (20 فبراير)، في سياق التفاعل المؤسساتي المتواصل لمجلس المستشارين مع التوجيهات الملكية السديدة بشأن قضايا العدالة الاجتماعية، وكذا في إطار المواكبة العلمية لمشروع إقامة نموذج تنموي جديد ينتصر لمبادئ وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والتضامن، ويقوم على مرتكزات أساسية تعتبر ضرورية لكسب الرهانات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن أجل تعميق النقاش والتفكير الجماعي في مسالك وسبل تعزيز الرأسمال البشري، بما يتيح تحقيق العدالة الاجتماعية ويعزز شروط إنجاح تنزيل النموذج التنموي الجديد للمملكة، ستتوزع أشغال المنتدى البرلماني الدولي السابع للعدالة الاجتماعية على أربعة محاور تهم “تعميم الخدمات الصحية الجيدة والحماية الاجتماعية، و “رهانات تجويد منظومة التربية والتعليم” و”تثمين الموارد البشرية في الأوساط المهنية: رافعة لتعزيز الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للجميع” و “التنوع الثقافي ورهانات بناء مجتمع منفتح ومتماسك”.
وتكريسا للطابع الدولي للمنتدى، يحضر أشغال هذه الدورة وفد هام عن جمهورية الأوروغواي والمدير العام لمنظمة الإيسيسكو، وكذا ممثلي هيئات الأمم المتحدة بالمغرب، إلى جانب مشاركة رئيس الاتحاد البرلماني الدولي عبر تقنية التواصل المرئي.