ثمن محمد البكوري، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين، العمل الجبار الذي تقوم به وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بوضع الأصبع على مكامن الاختلالات التي كانت تعتري هذه القطاعات، وتصحيح المسار وبث الأمل في نفوس المواطنات والمواطنين في سبيل تحقيق الازدهار والرقي بهذه القطاعات في مدارج التنمية.
وقدم رئيس الفريق، في مداخلة له باسم فريقه خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، اليوم الاثنين، مجموعة من الاقتراحات لحل الإشكاليات الجاثمة على القطاع، بحضور الوزير محمد المهدي بن سعيد، مبرزا أن الحكومة تعرفها جيدا، وهي بصدد إيجاد حلول لها، كما أكد بالتالي تصويت “الأحرار” بالإيجاب على الميزانية الفرعية للوزارة، من موقعه وانتمائه داخل الأغلبية الحكومية التي يساندها ويدعمها.
بالنسبة لقطاع الشباب، أفاد البكوري أن الاهتمام بهذه الفئة هو اهتمام بالإنسان، الذي يتطلب تظافر جهود مختلف المتدخلين من أسرة وإعلام ومدرسة، لأن مشكل الشباب مرتبط بمسألة القيم، حسب تعبيره.
وفي ما يخص المكتسبات التي حققها القطاع، أشاد رئيس فريق “الأحرار” بالغرفة الثانية بالعمل الجاد الذي تقوم به الوزارة لتنزيل سليم للبرنامج الوطني للتخييم من تهييئ وتجهيز 35 مركزا للتخييم، والرفع من المنحة اليومية المخصصة لكل فرد من 30 درهم إلى 50 درهم، حيث استفاد هذه السنة بعد توقف لسنتين بفعل الجائحة ما يقارب 873 ألفا و152 مستفيد، لكن في المقابل طالب بضرورة صيانة مباني هاته المخيمات.
من جهة أخرى، أفاد أن وضعية الشباب سبق وكانت موضوع مناظرة سنة 2008، تميزت برسالة ملكية شخصت وأوضحت بشكل دقيق واقع القطاع، مبرزا أنه لو تم استحضار هذه التوجيهات الملكية السامية منذ ذلك الحين لكان ذلك سيعطي دفعة قوية لهذا القطاع، ولن تكون حاجة اليوم إلى طرح عدد كبير من العوائق والاختلالات.
واعتبر البكوري أن ميزانية المخصصة للقطاع تظل محدودة مقارنة مع مسؤولياته والفئات الموجهة لها وانتظاراتها، ما يجعله يعرف نوعا من عدم الوضوح والثبات، مما يصعب على الجميع مجاراته وفهمه بالشكل المطلوب، مؤكدا أن نزعة التمركز التي كانت تتعامل بها الوزارة، في ظل توجه بلادنا نحو جهوية متقدمة، لن تجدي نفعا، وهو ما يبرره تفويت بعض الملايين من الدراهم فقط للمدراء الجهويين، والباقي يدبر في المركز.
وشدد على أن هذا القطاع يحتاج إلى تصور إبداعي، على اعتبار أن علاقة الموروث الثقافي بالأنشطة الشبابية كان منذ بدايات هذا القطاع، وفي عهد سابق تم ابتكار برامج متميزة كبرنامج “القراءة للجميع”، و”العطلة للجميع”، و”المسرح للجميع”، معبرا عن أمله في الرجوع إلى مثل هذه المبادرات والعمل على ابتكار مشاريع أخرى مماثلة.
وتأسف لما أصبحت تعانيه دور الشباب بالرغم جهود الاستثمار في بناء هذه الدور وإصلاحها، إلا أن هناك نسبة كبيرة منها مهترئة وفارغة من التجهيزات، متساىلا عن سبب عدم الاستفادة من فترة الجائحة التي كان من المفروض فيها إعادة إصلاحها وترميمها وتأهيلها، وأيضا تجهيز الصالح منها بحواسيب لمسايرة التطور التكنولوجي وتسهيل ولوج الشباب إليه ومدها بالإنترنت عالية الجودة، بالإضافة إلى تأهيل الدور المتواجدة بالعالم القروي، وإبرام شراكات مع الجماعات الترابية من أجل ذلك.
وأبرز البكوري أن المرافق المسيرة بشكل مستقل والتابعة للقطاع، كمركب الطفولة والشباب مولاي رشيد ببوزنيقة والمعهد الملكي لتكوين الأطر، لم تستطع تحقيق التوازن المالي، ويتم برمجة منح للتسيير في كل قانون مالي لها وبالرغم من أنها تعرف إقبالا كبيرا يوفر مداخيل مهمة، رغم أنها تعاني من عجز دائم.
وأورد أن مجال الشؤون النسائية يعاني بدوره من التوزيع غير المتكافئ للنوادي النسوية عبر التراب الوطني، مطالبا بضرورة إعادة النظر في الخدمات التي تقدمها هذه النوادي للمستفيدات بما يتلاءم والواقع المعاش، وذلك عبر برامج تمكنهن من إبراز إمكانياتهن ومهاراتهن في ميادين مختلفة، ومساعدتهن على التعريف بمنتوجاتهن وتسويقها.
وحول عزوف الشباب عن السياسة، أفاد رئيس فريق “الأحرار” بمجلس المستشارين أن ذلك راجع لعزوفه عن الانخراط في الأحزاب السياسية، و”هناك فرق بطبيعة الحال بينهما، ولنا الشرف داخل حزب التجمع الوطني للأحرار أن نكون من السباقين لإعطاء الفرصة للشباب حيث ساهم حزبنا، منذ تقلد السيد عزيز أخنوش مهمة رئاسته للحزب في فتح المجال للشباب وها أنتم تلاحظون كيف تم تجديد نخب الحزب على مستوى المؤسسات الدستورية بنسبة فاقت 90 في المائة”، يضيف المستشار البرلماني.
أما بالنسبة لقطاع الثقافة، ثمن البكوري مجهود الحكومة في زيادة الاعتمادات المرسومة للقطاع، لكنه أكد، في للمقابل، أنها لا ترقى لطموحات الجميع بالمقارنة مع المسار الذي تنحو إليه كل الدول المتقدمة في هذا المجال، حيث تظل هذه الأرقام المنظمة بعيدة كل البعد عن معدل المتوسط العالمي للثقافة.
واعتبر أن مناقشة الميزانية مناسبة لقراءة مستقبل الشأن الثقافي، من خلال المشاريع المبرمجة برسم السنة المالية المقبلة 2023، وما ينتظره المغاربة من هذا القطاع الحكومي، مستحضرا دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى النهوض بالرأسمال اللامادي للبلاد، والعمل على إيلائه المكانة اللائقة، باعتباره ركنا أساسيا في التوجه الإستراتيجي للبلاد.
وأكد أن القطاع يلعب دورا هاما في تعزيز المكتسبات الثقافية ومتابعة تأهيل المجال الثقافي وتجويد خدماته، وكذا تعزيز الهوية الوطنية المغربية، حيث يشكل ذلك دعامة أساسية للتنمية لتحقيق طفرة ثقافية داعمة للمشروع المجتمعي الديمقراطي والحداثي، الذي يسير فيه المغرب بخطى ثابتة من أجل توطيد بنائه.
في المقابل، أفاد البكوري أن التظاهرات الفنية والأنشطة الثقافية، تعيش على وقع غياب استراتيجية واضحة لدعم الثقافة والصناعة الثقافية ببلادنا، فالدعم الذي تخصصه الوزارة للتظاهرات الفنية والثقافية متواضع جدا، كما أن عدد المهرجانات بالمغرب قليل مقارنة بعدد من الدول الأخرى، رغم أن المغرب عرف تاريخيا، بتنظيمه لعدد من المواسم التقليدية الفنية، التي تعكس غنى كل جهة وهو ما يعكس أيضا تنوع روافد الثقافة المغربية.
وعلى مستوى قطاع الكتاب وفعل القراءة، أكد أنه رغم النجاح الباهر الذي حققه المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي أقيم لأول مرة بمدينة الرباط، اعتبر أن سوق الكتاب تعرف تدن بسبب انحباس فعل القراءة عموما، ونقص كبير على مستوى معارض الكتاب جهويا ومحليا، بحيث تبقى المعارض شبه محصورة في عارضين وكتبيين محليين.
أما المآثر التاريخية، فأفاد أن أغلبها في حالة سيئة، وتعاني من التآكل والضياع وتتعرض للنهب، والأمر لا يقتصر على المدن الكبرى، وإنما كذلك في المدن الصغيرة والقرى، بل إن هذه المآثر بدأت تفقد قيمتها الرمزية بسبب الإهمال، حسب قوله.
وأكد أن فريق التجمع الوطني للأحرار يدعو إلى إعادة هيكلة قطاع الثقافة بما يستجيب لمقومات المشروع الثقافي، وإدراجه في إطار مؤسسي يتوجه إلى الشباب بقدر ما يهتم بشرائح المجتمع، مع دعمه بما يلزم من وسائل العمل لإبراز غنى التراث الوطني، ووضع أسس صناعة ثقافية تشمل جميع مجالات الإبداع، وقادرة على توفير فرص شغل لإدماج الشباب، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا الميدان، وتطوير مختلف وسائل التعبير الفنية والثقافية الحديثة، إضافة إلى تقريب الشأن الثقافي والإبداعي من أكبر عدد ممكن من الساكنة المغربية.
كما شدد على ضرورة تقوية الشراكة مع الفاعلين الثقافيين بالمجتمع المدني، لتحفيز المبادرات والبرامج الثقافية المتميزة، وتطوير آليات اشتغال هذه الهيئات في كل الظروف الاستثنائية، لتساهم في ترسيخ وتقوية دائرة المعارف المغربية، وفتح جميع المؤسسات الثقافية والفنية، خاصة في المناطق التي لا تعاني من انتشار كبير للوباء، وتمتيعها بجميع التدابير الوقائية التي تعمل بها المؤسسات الأخرى، مع ضرورة اعتماد عدالة مجالية في عملية بناء وإحداث المنشآت الثقافية.
هذا ودعا البكوري إلى توظيف بعض المؤسسات التعليمية والرياضية في إنعاش الواقع الثقافي المغربي، وإحداث مكتبات في المناطق التي تعاني من الخصاص، وفتحها في وجه العموم، إضافة إلى تشجيع الإبداع الفني بمختلف تلويناته ومجالاته في أوساط الشباب، ونشر الوعي الثقافي والفكري والإنساني عبر القراءة والسينما والمسرح، وكذا تطوير شبكة جهوية لمركبات متعددة الوسائط ومختلفة الأحجام، المركبات الصغيرة للقرب في الأحياء، المركبات الجماعية، والمركب الكبير في الجهة، ووضع نظام معلوماتي فيما بينها، مع توفير ما يلزم من شروط تساعد الأشخاص في وضعية إعاقة على ولوج هذه المنشآت وتمكينهم من الاستفادة من خدماتها، وتخليق عملية دعم الفن والفنانين من مختلف المجالات بشروط موضوعية وأخلاقية يجب الاستجابة لها، وإخضاع أصحاب الدعم للمتابعة والمراقبة والمحاسبة بعد صرفهم لهذا الدعم.
كما طالب بإحداث استراتيجية وطنية حول الثقافة والإبداع وجعلهما في قلب المشروع المجتمعي والتنموي المغربي، وإدماجهما في كل السياسات العمومية، مبرزا أن القطاع في حاجة إلى بلورة رؤية ثقافية إلتقائية لتطوير موارد اقتصاديات الثقافة وصيانة وتثمين الموروث الثقافي وتشجيع الممارسات الثقافية والإبداعية العصرية.
وشدد على ضرورة ضخ دماء جديدة في العمل الثقافي الوطني والجهوي وتحسين جودة مضامين الأنشطة والبرامج الثقافية، بما يخدم ثقافة المواطنة داخل المجتمع، وإطلاق موجة جديدة من الخدمات الثقافية الموجهة للطفل والمرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة وفق مساطر قانونية وتنظيمية قوامها الشفافية وتكافؤ الفرص.
من جهة أخرى، عبر رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين عن اعتزازه بإقرار اللغة الأمازيغية، وجعلها ضمن مجالات ومناحي الحياة العامة، من خلال مصادقة المؤسسة التشريعية على القانونين التنظيميين المتعلقين بالأمازيغية والمجلس الوطني للغات متمنين أن تأخذ مكانتها الطبيعية منوهين لوفاء الحكومة بالتزاماتها مع الشعب عبر إقرار ميزانية مرصدة لتمويل تنزيل الطابع الرسمي للأمازيغي،
أما بشأن قطاع الاتصال، فأشاد بالمجهودات التي بذلها نساء ورجال الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع والإلكتروني، للحد من تفشي جائحة كورونا وكذا الدور البارز في توعية المواطنين بضرورة وأهمية التقليح، حيث لعب الإعلام بكل مكوناته وأشكاله، دورا حيويا في التعريف بالوباء والتحسيس بخطورته وأهمية الوقاية منه، وشكل حصنا منيعا أمام انتشار الشائعات والأخبار الزائفة، التي رفقت وما تزال ترافق تفشي الوباء، خصوصا على شبكات التواصل الاجتماعي.
في هذا الصدد، دعا إلى ضرورة إعادة الاعتبار لقطاع الصحافة وتأطيره باتفاقية جديدة تعطي نفسا جديدا على المستويين المادي والتكويني للعمل الصحفي، وتحفز على تطوير الأداء، والرفع من مستوى المضمون وتجويده، وإطلاق ورش جماعي مباشرة بعد انجلاء جائحة كوفيد 19، تنخرط فيه كل مكونات قطاع الصحافة لإنتاج عقد جماعي جديد ملزم وبآليات ناجعة وفعالة، يهدف أساسا إلى حماية العاملين في وسائل الإعلام، وتعزيز حرية الصحافة والحفاظ عليها، والاهتمام بالصحافة الجهوية أيضا، مع ضرورة توسيع وتنويع الإعلام المرئي، وخلق قنوات جهوية على مستوى كل الجهات، وتوجيه الاهتمام بشكل كبير إلى تطوير الإعلام الإلكتروني ودعمه.
كما دعا إلى المساهمة في تكوين موارد الإعلام البشرية وتمتيعها بحقوقها المادية والاجتماعية والاعتبارية، مع العمل كذلك على تطوير الأداء المهني والسياسي والثقافي للتلفزيون المغربي، ومصالحته مع المشاهد المغربي، الذي مازال مصرا على مقاطعة جل البرامج التلفزيونية، وتخليق الإشهار وربطه بالقيم المجتمعية، وجعل الاستفادة منه منصفة بين جميع المكونات الإعلامية المغربية المكتوبة والمرئية والمسموعة والإلكترونية، مع ضرورة حل إشكالية عدم وصول البث التلفزي وحتى البث الإذاعي أحيانا إلى العديد من مناطق المغرب النائية، وخاصة القناة الثانية خصوصا في المناطق الحدودية بالجنوب الشرقي جهة الشرق وجهة درعة تافيلالت نموذجا.
وشدد على ضرورة إعادة النظر في النموذج الاقتصادي للمقاولة الإعلامية الصحفية، مع العمل على إخراج القطب السمعي البصري الموحد للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية وشركة صورياد دوزيم، الذي تأخر لـ 15 سنة بدون مبررات، باعتبار أن هذا الإدماج سيمكن من توحيد الجهود ومن تحقيق النجاعة في تطبيق الميزانية، وأكثر نجاعة في تنزيل دفتر التحملات، كما سينعكس على المنتوج الوطني، الذي سيحترم معايير الجودة ويحترم كرامة المغاربة في المنتوج السمعي الذي يقدم إليهم، مع وجوب استدراك التأخر في إخراج عقد البرنامج الذي ينظم العلاقة بين الوزارة الوصية وبين مختلف متعهدي الاتصال السمعي البصري.