أكد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، اليوم السبت بمدريد، أن البرلمانيين والنخب عبر العالم مطالبون بإعطاء النفس الاستراتيجي للديمقراطية وجعل أعمال البرلمانات ذات جدوى ومردودية.
وقال الطالبي العلمي، في كلمة ألقاها باسم المملكة المغربية خلال أشغال الدورة الـ 143 لجمعية الاتحاد البرلماني الدولي “إننا كبرلمانيين ونخب، ينبغي أن نظل متمسكين بضرورة إعطاء الدفع الضروري، والنفس الاستراتيجي للديموقراطية وأن تكون أعمال البرلمانات ذات جدوى ومردودية، ما دامت الديموقراطية هي الضمانة الأساسية في مواجهة الفوضى وهيمنة القوة”.
وأوضح رئيس مجلس النواب، في كلمته خلال هذه الدورة التي تتواصل أشغالها إلى غاية 30 نونبر بالعاصمة الإسبانية، أن بعض الأطروحات تميل إلى التأكيد على أن الديموقراطية المؤسساتية التمثيلية، التي تجسدها البرلمانات بالتحديد، “أ صيبت بالعياء أو الترهل، فيما تزيد النزعات المناهضة للديموقراطية البرلمانية والمؤسساتية التمثيلية، من إرهاقها”.
ومن أجل تجديد الديموقراطية المؤسساتية وإعطائها النفس الذي يجعل الناس يثقون فيها، يتعين – حسب الطالبي العلمي- أن تركز البرلمانات، بالإضافة إلى مهمتها الأصلية التي هي التشريع ومراقبة العمل الحكومي، على تقييم السياسات العمومية وتبين أثرها على حياة الناس، وتقوية الدبلوماسية البرلمانية.
وشدد، أيضا، على أهمية ترسيخ مفهوم برلمان القرب الذي يتواصل مع المواطنات والمواطنين ويعكس انشغالاتهم، وتعزيز أدوار الأحزاب السياسية باعتبارها، من أدوات الوساطة الضرورية للاستقرار وتعزيز المشاركة في تدبير الشأن العام.
وحسب رئيس مجلس النواب، ينبغي كذلك ترسيخ الديموقراطية التشاركية والمواطنة ودعم أدوار المجتمعات المدنية، التي تؤطر المبادرات المواطنة في اقتراح التشريعات، وتقديم العرائض إلى السلطات العمومية، وتساهم في تقييم السياسات العمومية وتلعب دور المنبه اليقظ إلى مشاكل وقضايا المجتمع.
كما أكد الطالبي العلمي على ضرورة إعادة الاعتبار للنقاش العمومي الرفيع والجيد، وللسياسة والفكر، والقيم الديموقراطية والعمل على النحو الذي يوظف التكنولوجيات الجديدة وشبكات التواصل، إيجابيا ويجعلها تروج لما هو بناء وإيجابي ولقيم الديموقراطية والتعددية والاعتدال والانفتاح.
وأبرز أيضا أهمية مساهمة البرلمانات في ترسيخ قيم المشاركة والديموقراطية، إلى جانب الأسرة والإعلام والمدرسة والجامعة والفضاء العام.
من جهة أخرى، تطرق رئيس مجلس النواب لدور الديموقراطية، اليوم، في عدد من القضايا التي تحولت إلى عوامل مؤثرة في الاستراتيجيات الدولية، من قبيل الهجرات واللجوء والنزوح والاختلالات المناخية.
وفي هذا الصدد، أكد الطالبي العلمي على ضرورة قيام البرلمانيين بالتصدى لجذور هذه المعضلات الدولية الراهنة، وتصحيح المغالطات التي يتم الترويج لها عن هذه الظواهر، مبرزا أهمية عدم إغفال “التمفصل العام بين الديموقراطية والتنمية وضرورة التصدي للفقر”.
وارتباطا بوباء “كوفيد-19″، أوضح رئيس مجلس النواب أن هذه الجائحة عمقت الفوارق الاجتماعية والمجالية داخل البلد الواحد، وبين أعضاء المجموعة الدولية، بين الشمال والجنوب، وبين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، كما ازدادت الانقسامات، واحتدت التقاطبات، وتعددت مظاهر النقد والاحتجاج في الجنوب كما في الشمال.
واعتبر أن هذا الوضع فاقم التحديات التي تواجهها الديموقراطية التمثيلية أصلا، “إذ وجدت التيارات الشعبوية والمنغلقة، الأرضية الخصبة لكي تزدهر وتنتعش، ووجدت النزعات +السيادية+ مبررات جديدة مغلوطة لتلميع خطاباتها ودعواتها الحمائية واستنباتها في التفكير الجماعي للناس”.
وشدد السيد الطالبي العلمي على أنه و”حتى في عز الجائحة، كانت الحاجة إلى البرلمانات تتصدر الأولويات من أجل اعتماد التشريعات الملائمة للسياق، وتحصين الحقوق والحريات واعتماد الميزانيات الضرورية لتمويل الاقتصاد والترخيص بالإنفاق في السياق الخاص”.
يشار إلى أن المملكة ممثلة في أشغال الدورة الـ 143 لجمعية الاتحاد البرلماني الدولي، من خلال وفد برلماني هام، يقوده رئيس مجلس النواب، السيد راشيد الطالبي العلمي، ورئيس مجلس المستشارين، السيد النعم ميارة.
ويعرف هذا الحدث مشاركة رؤساء البرلمانات الوطنية، ووفود من الدول الأعضاء في الاتحاد البرلماني الدولي، وممثلين عن نقابات العمال والمنظمات البرلمانية الإقليمية كمراقبين دائمين.
ويلتقي المئات من أعضاء ومندوبي الاتحاد البرلماني الدولي من جميع أنحاء العالم، وفق نمط حضوري، بمناسبة أكبر اجتماع عالمي للبرلمانيين، قصد مناقشة سبل “تجاوز الانقسامات وتعزيز التماسك من أجل رفع التحديات الراهنة التي تواجهها الديمقراطية”.