بدوار سيت بجماعة النقوب غير بعيد عن مدينة زاكورة، درس مبارك بوعلي أولى الأحرف، ليعود إلى الإقليم ذاته وتحديدا “أم الرمان” جماعة تازارين بعد مسار دراسي حافل معلماً وشاهداً على وضع تعليمي يصفه بـ”القابع في الماضي”. هي قصة رجل تجمّعي تحمل في طياتها تشخيصا للمنظومة التعليمية، وحلولا يستمدها من “مسار الثقة “، ويعتبرها ناجعة سيمكن تطبيقها من تجويد المدرسة العمومية، وجعلها جذابة أكثر.
إصرارٌ على التعلم
تمكّن بوعلي في العام 1995 من الحصول على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية. التحق بعدها بمركز تكوين المعلمين بالرباط، حيث حصل على شهادته سنة 1997، مباشرةً عاد لقريته “أم الرمان” ليُمارس مهنة التدريس كأستاذ للتعليم الابتدائي. موازاةً مع ذلك استكمل بوعلي دراسته بالكلية، وحصل على إجازة في علم الاجتماع في العام 2003، ثم بعد ست سنوات استطاع الالتحاق بمركز تكوين مفتشي التعليم، وتخرج منه مفتشاً تربوياً بالتعليم الابتدائي، وعين للعمل بالمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بورزازت. لايزال طموح الرجل كبيراً، إذ تابع دراسته الجامعية بسلك الماستر، وحصل على شهادته في التربية والتنمية البشرية بكلية علوم التربية بالرباط في العام 2015، ثم التحق بسلك الدكتوراه، واليوم يعد أطروحة في التربية على المواطنة.مدرسة الأمس واليوم
ليس أمرا سهلا المقارنة بين مدرسة الأمس واليوم، يؤكد بوعلي، إذ تقتضي حسبه، مجموعة من الأمور الموضوعية. ويشرح ذلك قائلا: “أحياناً كثيرة نعتمد فقط على انطباعات عامة، لنستنتج أن المدرسة في الماضي كانت ذات جودة أحسن مما هي عليه اليوم، وقد يكون هذا الأمر صحيحا نسبيا لاعتبارات منها الفئة التي كانت تلج المدرسة، إذ كانت قليلة، وبالتالي فتشجيع التمدرس ورفع نسبته بالفعل سيؤثر على جودة المدرسة المغربية”. تغيّرُ عقليات الأجيال، يضيف بوعلي، ساهم هو الآخر في تفاوت مدرسة الماضي والحاضر، وهو الأمر الذي حتّم على الأطر التعليمية التأقلم مع الأمر. فالأستاذ كان يمثل السلطة، ليس للتلميذ فقط، لكن للآباء وساكنة القرى والمدن أيضا، أما الآن فمفهوم السلطة تغير بشكل كبير، في المدرسة كما داخل الأسر، هذا التغيير في مفهوم السلطة وكيفية التعامل بين الأجيال، أثر على طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود في الوسط المدرسي حاليا. يقول بوعلي، إن الأستاذ سابقا، استمد سلطته من كونه مصدراً للمعرفة، أما وجود الأنترنت ووسائل التواصل الحديثة اليوم جعل من المعلومة أمرا متاحاً، جعل معه الأستاذ أمام تحدي ضبط وتأطير المعلومة التي يتلقاها المُتمدرس. كما أن الأستاذ في السابق كان قُدوةً ومثالاً وأول حلم لكل التلاميذ، لكن التغير الحاصل في المجتمع والمكانة التي يحظى بها اليوم أبعدته عن مخيلة التلميذ، وأصبح حلم هذا الأخير مرتبطا بأشخاص أكثر تأثيرا حاليا من المغنين ولاعبي كرة القدم وغيرهم، والأمر راجع بالأساس للوعي بكون النجاح في المدرسة ليس بالضرورة نجاحا في الحياة، والمتعلمون يستدلون في هذا بأمثلة من مشاهير الشاشة.السبيل لمدرسةٍ عمومية جذابة بجودة مضمونة
يؤكد بوعلي، على أن تحقيق جودة المدرسة العمومية، يرتكز على العنصر البشري، ووضعه الاعتباري والاجتماعي، إذ من الضروري تشجيعه وتحفيزه مادياً بالدرجة الأولى، ثم ضبط معايير انتقاء الراغبين في ولوج قطاع التعليم، حيث الحاجة ملحة لتكوين متين. ويرى أن فكرة كلية علوم التربية بمدة تكوين تصل إلى 4 سنوات بعد الباكالوريا هو حل عملي، يمكن أن ينتج لنا أساتذة مُكونين بخبرة كبيرة ومردودية لا شك فيها. كما أن لتوحيد معايير البنيات التحتية وفضاءات التعلم، وتوفير وسائل العمل التي تنتج المعرفة، وإدماج التكنولوجيا الحديثة، دور أساسي في تحسين المدرسة العمومية، داعيا إلى تعزيز مراجعة البرامج والمناهج، ونهج المقاربات بالكفايات، رغم أن تنزيلها يعرف صعوبات، لكن لابد من تكوين المدرسين في هذا الإطار، مع التركيز على تعلم اللغات والعلوم. ويتابع حديثه: “وقفنا على حالات تلاميذ متفوقين في المواد العلمية في الرياضيات والفيزياء، لكن عائق اللغة يحول دون تميزهم في الدراسات العليا، وحتى يومنا هذا نجد أن خريجي المدارس العليا للمهندسين، يتقنون الجوانب التقنية لكنهم متواضعون بشكل محتشم في الجانب التواصلي اللغوي، رغم أن طبيعة العمل اليوم تقتضي التعامل مع شركات عالمية ومتعددة الجنسيات”. ومن جهة أخرى، يوصي بوعلي بتصحيح الصورة النمطية المرتبطة بالتكوين المهني، بكونه آخر ملاذ لمن لم يجد مكانه في المدارس العليا أو مقعداً في الجامعة، أو كونه تجمعٌ لغير المتفوقين، وعكس ذلك تماما يسهم التكوين المهني في امتلاك مؤهلات ومهارات، تمكن من ولوج سوق الشغل مباشرة، دون الحاجة للتدرج في التداريب. كما أن لشق الإيقاعات الزمنية، حسب بوعلي، دور هام في منح الحياة المدرسية النفس الجديد والجاذبية المتنظرة، ويمكن تحقيق ذلك عبر المزاوجة بين الأنشطة الترفيهية والتعلم، والتربية على المواطنة. ويرغب بوعلي في الوصول إلى مدرسة المواطنة، لتنتج لنا مواطناً فاعلأ ومشاركًا ومساهماً في تنمية البلاد، وواعٍ بالحقوق والواجبات، معتزاً بوطنه ومنفتحاً على محيطه. وكتجمعي، ومستشار جماعي بجماعة تازارين، يقترح بوعلي تعزيز المنظمات الموازية للحزب، بمنظمة أسرة التعليم، تجمع ثلة من أطر قطاع التربية والتكوين بمختلف مستوياتهم، لتبلور تصورات ومقترحات، ومذكرات واضحة حول القطاع، والتي سيكون لها وقع إيجابي لا محالة.