خلال مناقشة فريق التجمع الدستوري للحصيلة المرحلية للحكومة، دعا مصطفى بايتاس، عضو الفريق، اليوم الأربعاء بمجلس النواب، الحكومة إلى الإسراع بإخراج مساهمتها في ورش بناء نموذج تنموي جديد للمملكة.
وأوضح بايتاس أن جلالة الملك اختار الإعلان من داخل البرلمان عن رغبته في بناء نموذج تنموي جديد يستفيد من نجاحات النموذج السابق ويستشرف المستقبل بكل إمكانياته ورهاناته وفرصه وتحدياته أيضا، أولا لرمزية وأهمية هذه المؤسسة كفضاء دستوري للنقاش، وثانيا لكونه منبرا للدفاع والترافع عن قضايا الوطن والمواطنين.
وسعيا منها في المساهمة الإيجابية في هذا النقاش الهام، سارعت الأحزاب الثلاثة المكونة لفريق التجمع الدستوري، يضيف عضو الفريق، إلى بلورة رؤى تنسجم مع قناعاتها، ومنطلقاتها، وقيمها وتطمح إلى تمكين الاقتصاد الوطني من مقومات المناعة وتعزيز قدرته على إنتاج الثروة الكافية لإدماج كل أبناء الوطن في منظومة اقتصادية واجتماعية عادلة ومنصفة، والانتقال من دولة الدعم الى دولة التمكين.
وشدّد على أن كل المبادرات الاجتماعية ستبقى مجرد إجراءات معزولة ومحدودة مالم يتم تفعيل القانون المتعلق بالسجل الاجتماعي وتحقيق استهداف حقيقي يضمن إدماجا كاملا للفئات الهشة بشكل يمكنها الخروج من الفقر والحاجة عوض جعلهم عرضة للاستغلال السياسيوي والانتخابي المرفوض.
فالمسألة الاجتماعية، حسب بايتاس، وإن كانت تثير الكثير من التعقيد بالنظر لتفاقم العجز الاجتماعي وأيضا لمحدودية الإجراءات التي يتم اعتمادها اليوم والتي يجب أن ترقى إلى مستوى سياسة عمومية مندمجة ترصد الظاهرة وتشخصها بعمق وترسم الأهداف وتعبأ الوسائل بكل واقعية؛ فإن الانكباب على 3 أولويات هي بالنسبة للتجمع الدستوري المفتاح لتحقيق الإقلاع الاجتماعي المنشود، ويتعلق الأمر بالإسراع بإصلاح التعليم بكل قوة دونما تردد أو ضعف أمام الأهواء الإيديولوجية أو النزوعات الذاتية.
وثانيا إصلاح عاجل لقطاع الصحة بشكل ينهي معاناة المغاربة ويخرجهم من دوامة الطبيب والمستشفى والعلاج. فالإمكانيات التي تضعها الحكومة اليوم رهن إشارة هذا القطاع هائلة، حسب بايتاس، إلا أن النتائج المحققة لا تجعلنا مطمئنين على مستقبل القطاع الذي يعد أول قطاع يعاني مرتفقوه من الشعور بـ”الحكرة” مما يتطلب رفع منسوب حكامته وتعزيزها رغم الجهود المبذولة المقدرة في قطاعي الصحة والتعليم.
وثالثا توفير الشغل الكريم لأبناء المغاربة عبر ضمان استقرار قدرة القطاعات الأساسية كالصناعة والفلاحة والصيد البحري والسياحة على توفير فرص الشغل وإقرار إصلاحات عاجلة لقطاع الخدمات وتعزيز قدرته على توفير فرص شغل جديدة وتمكينه من المساهمة بشكل أكبر في الناتج الداخلي الخام.
ولفت بايتاس الانتباه إلى أنه في ظروف تدني التأطير والتعبئة، يبقى المواطن فريسة للتيارات السلبية، سواء منها ذات الطابع المجتمعي العام، أو ذات الخلفيات السياسية والإيديولوجية الهدامة، التي تعتمد التيئيس والتجييش قصد تثبيت العداء للمجتمع، فضلا عن سيادة الفردانية السلبية والمبالغ فيها التي تنقض قيم التضامن وتزرع الإحساس بغياب الثقة في المستقبل.
وفي هذا السياق، نوه بايتاس بتحالف حزب التجمع الوطني للأحرار بحزب الاتحاد الدستوري وحزب الحركة الاجتماعية الديمقراطية، الذي ساهم في التأسيس لتحالف جديد واع بمنطلقات تجارب سابقة عرفتها الساحة السياسية ولم تؤت أكلها، الشيء الذي تمخض عنه بروز هذه القوة البرلمانية الجديدة.
وتوقف عند المنطلقات الكبرى الجامعة لهذا التحالف، الذي لا يبتغي، يضيف بايتاس، كسب منافع مرحلية، أو تحقيق غايات ظرفية، بقدر ما يرنو إلى الرقي بالممارسة السياسية عموما، والبرلمانية على وجه التحديد، إلى أفق تتلاشى فيه نزوعات الهيمنة العددية، ويتحقق فيه الالتفاف حول المصلحة العامة لا الخاصة.
وشدد على أن فريق التجمع الدستوري يملك من النضج ما يمكن أن يدبر به شؤونه الداخلية بكل ثقة في النفس، ويقين في المستقبل، مستغربا من محاولات الساعين إلى تصدير أزماتهم الداخلية، والإمعان في التشويش، باختزال العمل السياسي في مجرد الاستفادة من المناصب، عوض المساهمة الإيجابية لبناء المشروع السياسي لبلادنا.
وتابع أن الإصلاحات الكبرى تحتاج إلى شجاعة كبرى، ففي ارتباط بتدبير السلم الاجتماعي، لا يمكن كذلك تأجيل قانون النقابات والإضراب الذي يحتاج إلى توافق كل الأطراف، والذي تحتاج إليه البلاد لمزيد من تنظيم علاقات الشغل ولمزيد من ضمان حقوق كافة الأطراف المرتبطة بالعملية الانتاجية وحقوق المجتمع ككل.
كما أن إقبال البلاد على محطات حاسمة في المدى المتوسط على رأسها تعميق المنظور الجديد للجهوية والانتخابات التشريعية المقبلة يستدعي الوصول إلى استقرار نهائي للبنية القانونية والمسطرية المتعلقة بالأحزاب وبالانتخابات، سواء بتعديلها أو تغييرها أو الإبقاء عليها حسبما يتوافق عليه الجميع.
وعاد بايتاس إلى مرحلة تشكيل الحكومة، وقال إنها كانت فرصة سمحت ببروز نقاشات هادئة ورصينة، تروم تعميق المنهجية السياسية والديمقراطية لبلادنا، والوقوف على البياضات التي يمكن أن تظهر مع الممارسة، وهو الحال مع ما أثير من نقاش حول تطبيق الفصل السابع والأربعين من الدستور، مضيفا، في المقابل، أنه سمح بظهور قراءات سطحية ابتدعت تسميات ومفاهيم لا علاقة لها بالعمل السياسي والمؤسساتي، من قبيل “البلوكاج”، ولخصت هذا التمرين الديمقراطي الهام ككل في مجرد صراعات شخصية من منطلق ذاتي مغرق في الأنانية، دونما استحضار للمطلب الحتمي لكل القوى السياسية، والمتمثل في تعزيز البناء الديمقراطي، وامتلاك وثيقة دستورية تجيب على كل التساؤلات، وتنظم هيكلة الدولة تحت كل الظروف.
وسجّل أن التجمع الدستوري، الذي يؤمن بأهمية التداول السياسي كمبدأ ثابت في كل الديمقراطيات، يعي أن التواجد اليوم في مرتبة معينة لا يعني البقاء الخالد فيها، مبرزا أن تحقيق المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لا يتيح لصاحبها وضعا تفضيليا بقدر ما يحمله مسؤولية مضاعفة من أجل البحث عن توافقات وتحالفات قوية، ولو تطلب الأمر تقديم تنازلات مؤلمة بهدف تشكيل حكومة قوية قادرة على مواجهة قضايا الوطن والمواطنين.