خلال انفتاحها على مهنيّي عدد من القطاعات الأساسية، وبمناسبة انعقاد اجتماع المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار بمدينة الصويرة، والزيارات الميدانية التي قام بها وفد بارز من الحزب لعدد من مناطق الإقليم، التقى RNI.MA بأحد الأطباء العاملين بـ”مدينة الرياح”، للتقرّب من انشغالات حاملي الوزرة البيضاء، ولتسليط الضوء على مكامن الخلل بالقطاع الصحي.
بابتسامة اعتذر منّا هذا الطبيب الشاب عن عدم قدرته كشف هويته، نظرا لأسباب مرتبطة بواجب التحفظ، لكن ذلك لم يمنعه من محاولة وضع الأصبع الجرح، واقتراح حلول يراها مناسبة لإصلاح المنظومة الصحية ببلادنا.
على صعيد إقليم الصويرة، يرى هذا الإطار الصحي أن بناية المستشفى، الوحيد لحد الساعة بالمدينة، جد قديمة، كما أن الطاقة الاستيعابية للمستشفى لا تتماشى مع النمو الديمغرافي للإقليم.
“أعتقد أنه من الواجب توسيع الأقسام الطبية، وتوفير العمليات الجراحية في عدد من التخصصات، لكي لا يضطر الصويريون للسفر إلى مدن أخرى لهذا الغرض”، يقول، ثم يستدرك : “أو بالإمكان بناء مؤسسة استشفائية كبيرة وجامعة”.
وبخصوص نظام المساعدة الطبية “راميد”، يسجّل أن هذا الأخير ساهم في زيادة الضغط على المستشفى المحلي. “لقد سبّب في اكتظاظ كبير، أصبحنا نستقبل معه حوالي 600 شخص يوميا”.
ولتدارك الأمر، تم إنشاء بناية جديدة تابعة للمستشفى نفسه، تنتظر الانطلاقة الرسمية. “هذه البناية تتوفر على أجهزة طبية متطورة، يلزمها فقط الموارد البشرية الكافية للمساهمة في تخفيف الضغط على المستشفى”، يقول الطبيب.
طب الأسرة.. مدخل أساسي لإصلاح قطاع الصحة
وفي المقابل، يرى حزب التجمع الوطني للأحرار، من خلال أرضيته “مسار الثقة”، أن وضعية قطاع الصحة اليوم مقلقة ولا تواكب طموحنا نحو التنمية. ولهذا، ينادي حزبنا بضرورة الاستجابة للمطالب المشروعة للمواطنين كي يستفيدوا من خدمات صحية ذات جودة، مهما كان مستواهم الاجتماعي أو انتمائهم الجغرافي.
ويترافع حزبنا لترسيخ منظومة لطب الأسرة، ويضع هذا الإجراء في قلب خطته الإصلاحية، لأن ذلك هو مفتاح الوصول إلى تأطير طبي جيد لكل المواطنين.
يأمل الحزب من خلال هذا الإجراء، إلى تحقيق نسبة تغطية تصل إلى 500 أسرة لطبيب واحد، مقابل 3 آلاف و600 فرد لكل طبيب ممارس للطب العام حاليا.
وإلى جانب الرفع من الميزانية الموجهة لقطاع الصحة إلى 10 في المائة من الميزانية العامة للدولة، بدل حوالي 6 في المائة المرصودة حاليا، يدعو الأحرار إلى تدبير جيد ومتوازن للموارد وللميزانية الحالية المخصصة للقطاع.
“راميد”.. نظام واعد يجب تقويمه
وبخصوص نظام “راميد” يدعو الأحرار إلى إعادة النظر في شروط أهلية المستفيدين منه. ويطالب بأن يعمل النظام وفق منظور تغطية لائحة كاملة من العلاجات الطبية التي ستشكل أساس السداد حسب عدد المرضى المتكفل بهم عوض الإعانات الممنوحة للمستشفيات بطريقة عشوائية. وسيسمح هذا النموذج للدولة بتسديد العلاجات التي خضع لها المستفيد من “الراميد” والذي يتم إعلامه بها في الآن ذاته.
هذا بالنسبة للمجال الحضري لإقليم الصويرة، أما في ما يتعلق بالمجال القروي، فيرى الطبيب الشاب أن الوضعية أكثر تعقيدا. “هناك حوالي 57 جماعة بالإقليم، وبعضها نائية، يجد سكانها صعوبة في إيجاد وسائل النقل للوصول إلى المستشفى”.
وعورة المسالك وغياب وسائل النقل ليسا الإكراهين الوحيدين الذين يواجهان السكان ويصعبان مهمة القوافل الطبية. بل هناك غياب لعدد من التخصصات، الشيء الذي يضطر معه السكان لقطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى مدن أخرى.
ويقترح الطبيب، بهذا الخصوص، أن يتم تعزيز المؤسسات الصحية المحلية بالتجهيزات الضرورية، مع توفير سيارات الإسعاف الضرورية لنقل الحالات المستعجلة.
يقطع حديثه للتفكير قليلا، ثم يتابع : “هناك إشكالية أخرى إذا تم حلها، سيكون لها وقع كبير على إقليم الصويرة، وأتحدث هنا عن مركز تحاقن الدم، فالمركز الصغير المتواجد حاليا لا يفي بالغرض”.
ويرى أنه من الأنسب إنشاء مركز جديد لتحاقن الدم، لتدارك النقص الحاصل في بعض الفصائل النادرة، من جهة، ولتشجيع الناس على التبرع بالدم من جهة ثانية. “هذا الإجراء قد ينقذ العديد من الأرواح”، يؤكد.
ملائمة المنظومة الصحية مع مبادئ الجهوية المتقدمة
تنص الخارطة الصحية اليوم على إحداث مستشفى لكل عمالة أو إقليم دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المميزة لكل منطقة جغرافية، الشيء الذي يجعلنا أحيانا أمام وضعيات غير مفهومة كتواجد مستشفيين لا يفصل بينهما إلا شارع واحد، وكلاهما يفتقران للمعدات اللازمة ولا يستطيعان الاستجابة لحاجيات المواطن أو التكفل به في المستعجلات. إذ أن تشتت الموارد يجعل من الصعب تطبيق المداومة وفق نظام الطبيب المقيم، الذي يقضي بوجود 4 أطباء على الأقل من التخصص نفسه في نفس المستشفى.
يقترح “الأحرار” المراجعة الجذرية لمنظومة العرض الصحي، لتوافق مع مبادئ الجهوية المتقدمة، ونقترح استبدال المستشفيات متعددة الاختصاصات الموجودة حاليا، بشبكة جهوية من المستشفيات المتخصصة، مع تمتع كل مستشفى من هذه الشبكة باستقلالية تامة في التسيير، وأن يتوفر على نظام للمداومة ويكون مجهزا بقاعات الجراحة جاهزة للعمل على مدار 24 ساعة.
وبالنسبة لحزبنا، فيرى بخصوص مراكز القرب، التي يُخصص لها أقل من ثلث الميزانية الوطنية للصحة لقرابة ألفين و900 مركز صحي أولي. وتسجّل تفاوتات كبيرة بين مؤسسات العلاجات الصحية الأساسية، فأكثر من 7 مراكز من كل 10 تتواجد في الوسط القروي، وتفتقر في الغالب إلى الحد الأدنى من الأدوات الطبية الأولية.
يطالب الحزب بدمج هذه المراكز عندما تكون المسافة بينها قريبة، من أجل الرفع من الموارد المتاحة، كما وكيفا، لضمان علاجات صحية محترمة للمواطن دون حاجة إلى أطر إضافية.
وينبغي أن ترتبط هذه المراكز الصحية بالبنيات التحتية الضرورية، استجابة لإشكالية البعد الجغرافي للأطر الطبية قصد ضمان استفادتها من ظروف عمل مناسبة وبالتالي تحسين مستوى أدائها.
كما يدعو “الأحرار”، من خلال “مسار الثقة”، إلى تحفيز الأطر الصحية العاملة في المناطق النائية، وذلك عبر تقاضي أطباء الطب العام أجورا محفزة على العمل في هذه المناطق ودعم مشروع طبيب الأسرة.