من قال إن العمل السياسي لا يغير نظرة الشباب للمجتمع، ولا يمنحهم الأمل في محيط عيش أفضل حيث يجدون فيه مبتغاهم، وتنصهر داخله طاقاتهم، هي إذن قصة عبد العالي الحيان، شاب طموح، جعلته ظروف الحياة وهو طفل أن يشتغل في عدد من المهن، ليجد نفسه داخل حزب احتضنه ومنحه رؤية مغايرة لما يريده لمساره.
كان عبد العالي ذي الـ21 ربيعاً، ابناً لفلاح بسيط من مدينة أزيلال ينتقل رفقة عائلته بين جبال الأطلس وقرى سوس، بحثاً عن عمل يغني عائلته عن مد اليد. عمل رفقة والده في رعي الغنم وهو في السابعة من عمره، وبائعاً للأكياس البلاستيكية في الأسواق الأسبوعية في سن العاشرة، وبستانياً طيلة سنوات مراهقته.
يحكي أن والده كان يحثه على الدراسة، وأرغمه سنة بعد أخرى على ولوج المدرسة، ويصف الشاب أنه كان تلميذا كسولا مهملاً، غير مكثر بالتعليم.
وبوفاة الوالد، أدمن عبد العالي العمل للسنوات التالية، وأهمل دراسته حتى هجر حجورها كلياً. ومن بين فرص العمل التي اقتنصها آنذاك، توزيع المطويات الخاصة بالمترشحين للانتخابات التشريعية وتنظيف الأزقة من مخلفاتها.
عملٌ أشعل لدى عبد العالي رغبة في تغير رتابة حياته، وقصد مرشحاً بدائرة أيت عميرة إقليم شتوكة أيت باها حيث يقطن، يستفسره عن شروط الانخراط ضمن حزب التجمع الوطني للأحرار، وأبرزها أداء 50 درهماً مقابل ذلك.
رغم زهد المبلغ لدى الكثيرين، لم يتمكن عبد العالي من الانخراط، إلا أشهرا بعد ذلك، عندما أعلن عزيز أخنوش، بعد انتخابه رئيساً جديدا للتجمع الوطني للأحرار، عن مجانية الانخراط.
شرع عبد العالي في تلقي التكوين الحزبي ضمن صفوف الشبيبة المحلية، وفي حضور لقاءات وأنشطة الحزب. يقول بهذا الشأن : “هنا أدركت أنني على خطى قليلة من التغيير الذي وددته، أصبحت أكثر انفتاحاً على الناس، وتغيرت نظرتي للأشياء، لكن أكثر ما يجعلني اليوم فخوراً، هو تشجيع من يحيطون بي داخل الحزب للرجوع لصفوف الدراسة”.
أدرك هذا الشاب أنه لن يحقق ذاته إلى باستكمال دراسته، التي انقطع عنها لسنوات، وبالفعل تمكن ذلك التلميذ غير المجد الذي كان يوما، من الحصول على الباكلوريا بميزة حسن، وولوج الجامعة الدولية الخاصة، حيث يدرس الصحافة.
أدركت أهمية التعليم باعتباره أحد الأدوات الرئيسية للتنشئة السياسية، واليوم أدعو إلى” ضرورة التركيز على إحداث تحول جذري وحقيقي في محتوى وأهداف البرامج التعليمية، بما يعمل على تعزيز الثقافة الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ودمج مكون المواطنة والقيم المرتبطة بها، وتفسير العمليات الانتخابية للناشئة وتشجيعها في وقت مبكر على المشاركة في إبداء الرأي والاقتراح”.
ويضيف الحيان أن نظرته لحيه الفقير حيث يقطن تغيرت، وأصبح من متذمر إلى مساهم، حيث يشارك كثيرا في أعمال التهيئة، وحملات النظافة وتوعية المواطنين حول حقوقهم، وتشجيع الأطفال واليافعين على التمدرس، ضمن أنشطة تنظمها الشبيبة المحلية للتجمع الوطني للأحرار.
ويعتبر المتحدث ذاته، أن أي حزب سياسي ليس قادراً على حل معضلات المغرب كاملةً في 5 سنوات، لكنه أكيد قادر على تغيير دواخل الناس ونظرتهم للأشياء، وهو استثمار ناجح في الإنسان يمكن تحقيق بتوفر الإرادة السياسية أولا لدى المؤسسات الحزبية والعزيمة ثانياً لدى المعنيين.
وشارك عبد العالي، الذي يحمل قصة تغيير ملهمة، لكل من فقد الأمل في مغرب أفضل، في الدورة الثالثة للجامعة الصيفية، إذ يعتبر أنها فرصة أمام شباب الحزب للتعرف عن قرب على قياداته ذات الكفاءة العالية.
وتمثل النسخة الثالثة من الجامعة الصيفية للشباب الأحرار، بالنسبة لعبد العالي محطة بارزة في مسار تمكين الشباب من مساحة للحوار، ولعل حضور 5000 شابة وشاب وانخراطهم والتزامهم بحضور الورشات، أكبر دليل على تعطشهم لتحقيق المشاركة السياسية الفاعلة، كما أنه برهان للجميع على أن التجمع الوطني للأحرار، يهتم بهذه الفئة ويرغب في جعلها محور الاهتمام في الحاضر والمستقبل.
ويعتبر عبد العالي أن عقبات كثيرة تعترض طريق المشاركة السياسية للشباب، أولها ضعف الحافز، والافتقار للموارد الاقتصادية والافتقار للوعي والمعرفة، أما على مستوى الأحزاب، فإن أغلبها لا تدعم إشراك الشباب سواء في أنشطتها العادية أو في مناصب المسؤولية.
وتابع قائلا : “مشكلة البطالة هي الأخرى تعد معيقاً لمشاركة الشباب رغم ظهور بعض القيادات الشابة أخيرا على المستوى المحلي، الأمر الذي جعل أغلب الشباب ينظرون بتوجس لما يصدر عن النخبة السياسية، كما أن عددا من الأحزاب اليوم مسؤولة عن الثقة المفقودة بينهم وبين الشباب، نظرا لممارسات سياسية غير مقبولة طبعت مسارهم”.
ويرى عبد العالي أن انخراط الشباب اليوم في السياسة أصبح ضرورة ملحة، اعتباراً لأهميتها في التغيير المجتمعي والتحول الديمقراطي، خاصة وأن الفرصة سانحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، نظرا للتوجهات الملكية السامية الداعية إلى إشراك هذه الفئة في مختلف المحطات والمسؤوليات.