من المعروف أن قلة فقط من المواطنين هم من يطّلعون على برامج الأحزاب السياسية، بغية تشكيل فكرة عما تطمح له، وبناء على تلك المعرفة، يبنون تصورهم وقناعتهم اتجاه هذا الحزب أو ذاك.
ولتقريب جانب من الأفكار التي يدافع عنها التجمع الوطني للأحرار، لأكبر عدد من المتتبعين، يقترح عليكم بعضا مما تم تجميعه في “مسار الثقة”، الذي هو بمثابة أرضية للحزب في مختلف المجالات.
يركّز “الأحرار” على ثلاث مجالات أساسية، هي الصحة والتعليم والتشغيل، قناعة منه أنها ركيزة أي تحول نحو الأفضل، إلا أنه لم يغفل باقي القطاعات، التي لها أهمية كبيرة في خلق التنمية وبناء مجتمع أكثر تماسكا.
التعليم 2/2إعطاء الأولوية للغات والرياضيات يرى “الأحرار” أن المقررات الدراسية ينبغي أن تركز على التمكن من اللغات والرياضيات. وقد يرد البعض على هذا المقترح بقولهم إن مسألة التمكن من اللغات أصبحت الآن متجاوزة لأن الباكالوريا الدولية أصبحت اليوم متاحة للجميع، غير أن التلميذ عندما يصل إلى السنة النهائية يصبح من الصعب تلقينه المعارف الأساسية. لهذا يرى الحزب أنه يجب إتقان اللغات منذ الابتدائي، الفرنسية والإنجليزية، إلى جانب اللغات الرسمية، وذلك انسجاما مع التطور العالمي وانتظارات سوق الشغل. وفي سياق مقاربات الامتاع يجب أن تترجم المحتويات التعلمية إلى أشكال مختلفة: الشعر والمسرح والموسيقى وبعض الحوامل السمعية البصرية التي تجمع بين الكلمات والصور من أجل فهم أفضل. مع الحفاظ على الأساليب البيداغوجية التقليدية كي يعرف التلاميذ قواعدها. ومن جهة أخرى فإن الرياضيات تعد أداة مهمة في تعلم الطفل، لأنها تحفز حسه النقدي، وقدرته على التفكير المنطقي. فالتلميذ ينبغي أن يكتسب ملكة الفهم عوض النزوع إلى الحفظ عن ظهر قلب. ومن أجل تجويد البرامج التربوية، نقترح القيام بتقييم لمستوى معارف التلميذ، فكل التلاميذ يجب عليهم إتقان المضامين التعليمية الأساسية في اللغات والرياضيات في سن 10 و14 و16 سنة. وستكون نتائج اختبارات المعارف تلك مرآة لمردودية المدرسة وهيئة التدريس. كما ستتيح تحديد أهداف المدرسة، وتحديد الميزانية المخصصة لذلك، والإصلاحات التي يجب القيام بها داخل كل مؤسسة. من أجل اختيار وفق المسار المهني المنشود يدافع “الأحرار” عن التعليم العالي باعتباره الأمل في مستقبل أفضل، إذ عليه مرافقة الطلبة حتى يكونوا فكرا عقلانيا وإعدادهم حتى يكونوا مواطنين مسؤولين. ومن وجهة نظرنا، ليست مهمة التعليم العالي بحثا مهووسا عن ملاءمة التكوين والتشغيل و”إنتاج” شباب جاهز للعمل في المقاولة، بل تتمثل مهمته الأولى في تكوين عقول متعددة الكفاءات وتوسيع مداركها وتمكينها من أن تستغل الفرص المتاحة لها. فكثير من مهن اليوم قد تختفي غدا وكثير من مهن الغد لازالت غير معروفة إلى اليوم. لهذا من الضروري الوعي بتطورات سوق الشغل لحظة وضع المناهج والعروض البيداغوجية، حتى يتم استشراف تقلباتها والتهييء لها. كما أنه من الضروري إعادة النظر في الشعب التي قد لا تنتج إلا أفواجا من عاطلي المستقبل. وعلى الطالب، من جهته، تدارس مختلف الاختيارات التي قد تعرض عليه، وخاصة التكوين المهني، وذلك قبل أن يصطف في الجامعة وكأنها الحل الأوحد. لذا يجب في اعتبارنا، الرقي بالتكوين المهني حتى يمثل فعلا مدرسة الفرصة الثانية، التي تمكن الطلبة من الولوج للعمل ولا تحول مستقبلا دون متابعة دراساتهم العليا، إن هم رغبوا في ذلك. الجامعة ليست ملجأ إن أول شيء يثير انتباه “الأحرار”، عند استحضار الكلية المغربية، هو ذلك العدد الهائل من الطلبة داخل المدرج الواحد. فالجامعة المغربية تعيش اليوم أزمة تأطير حقيقية: وكيف يكون خطاب الأستاذ مسموعا وهو يقود مجموعات عمل مكونة من 500 و600 طالب؟ ثم إن عدد الطلبة الذين يلتحقون بمدرجات الجامعة يتزايد كل عام بمعدل 20%، وجزء من هؤلاء يطرق باب الجامعة لهدف واحد هو الحصول على منحة. وبموازاة مع ذلك، يسجل داخل هيئة التدريس ما يناهز ألف إحالة على التقاعد سنويا. ونسبة الهدر، التي هي نتيجة مباشرة لهذا التفاوت الصارخ، مقلقة للغاية، فأكثر من نصف الطلبة لا ينهون مسارهم الجامعي. والرسوب يعني لكثير من هؤلاء، نهاية مسارهم الجامعي. يقترح الحزب عددا من الحلول، فالبنسبة لمشكل الاكتظاظ وتأثيره السلبي على جودة التعليم الجامعي، تبدو لنا مجموعة من المحاور ذات الأولوية. حيث سنطالب أولا بإعادة النظر في آليات التوجيه، لأنها في الوقت الحالي غير ناجعة ولا تتيح انتقالا موفقا للتعليم الثانوي إلى التعليم العالي. فمستشارو التوجيه في الإعداديات والثانويات قليلون جدا، وحضورهم جد محتشم ووسائل اشتغالهم محدودة للغاية. ويترتب عن ذلك أن الطلبة الموجهون بدقة ونجاعة هم أولئك الذين يحظون بمعلومات صائبة، يزودهم بها محيطهم المباشر. وكثير من الطلبة يلجون الجامعة دون الحصول على ما يكفي من المعلومات ودون أن يتم توجيههم نحو الدراسات الأكثر ملاءمة لقدراتهم ورغباتهم. وفي حال فشلهم، يصل أثر إحباطهم الاجتماعي درجة تشويه صورة؛ فإذا كان جم غفير من الطلبة يختارون شعبة كالقانون مثلا، فقلة منهم فقط هي التي تنجح بصفة عامة، فيكون الإحباط الذي يشعر به الطالب، نتيجة ذلك الفشل، بالغ الأثر بالنسبة إليه وبالنسبة لأسرته على حد سواء. لهذا، يبقى من اللازم حسب تصور الحزب، إعادة التفكير في إشكالية التوجيه لأنها ليست مرادفة لتقسيم التلاميذ أو تفويجهم. حيث نطالب بأن تراجع معاييرها وهيكلتها، باشتراك أن يهيء كل تلميذ في السلك الثانوي مشروعا دراسيا ومهنيا، واعتبار ذلك مادة إجبارية يأخذ بعين الاعتبار في التنقيط. ولتنزيل هذا المشروع، ينبغي أن يكون كل تلميذ مصاحبا بأستاذ مؤطر، يقدم له ما يلزم من معلومات ويوجهه ويتتبع مراحل مشروعه عن قرب. ويكون على عاتق المدرس مواكبة الطالب لتنظيم زياريات لمؤسسات التعليم العالي التي يمكن أن تلائم مستوى التلميذ، إضافة إلى برمجة لقاءات مع بعض الطلبة والمهنيين والنشطاء كي ترتسم معالم المستقبل أمامه بوضوح. التكوين المهني : فرصة أخرى للنجاح إن التكوين المهني يعاني أساسا من مشكل السمعة، فالتوجه إلى هذا المسار يعتبر فشلا عوض أن يكون فرصة بديلة للنجاح. وفي الواقع، غالبا ما يكون طلبة التكوين المهني منحدرين من أسر متواضعة، ويعتقدون أن هذا المسار لن يقودهم إلا نحو مهن بسيطة. كما أن المشغل المغربي ترسخت لديه صورة سلبية عن التكوين المهني، لأن جودة التكوين، في نظره، بعيدة كل البعد عن الانتظارات. وإذا كان عدد الشباب المستفيدين من التكوين المهني قد تضاعف خلال العقدين الماضيين، فلا تزال التكوينات في أغلبها داخلية، تقوم على تصور مدرسي لمفهوم التكوين. في الوقت الذي أثبتت فيه أساليب التكوين بالتدرج والتكوين بالتناوب نجاعتها، فهي تعتمد على الورشات التطبيقية التي تحل محل قاعات الدرس. فنوعية هذه التكوينات تزود المتعلمين الشباب بالكفايات السهل استعمالها وتضمن اندماجهم المستدام في سوق الشغل. وإن عقود التكوين المهني تم تطويرها بالشراكة مع القطاع الخاص، في قطاع صناعة السيارات أو صناعة الطيران، لخير دليل على ذلك، فهي توفر الآن فرص عمل أفضل من التكوين الداخلي. وبالنسبة لـ”الأحرار” فإن التكوين المهني يجب أن يكون مجالا لتطوير المعارف، الذي يلبي متطلبات التنافسية الاقتصادية. ويجب أن يعتبر التكوين المهني نقطة انطلاق وليس فخا يرهن مسار الشخص الذي يختاره. ولهذا السبب، فإننا سنواصل تعزيز عروض التكوين المهني بالتدرج وبالتناوب داخل مراكز التدريب ذات تسيير مشترك مع القطاع الخاص، بمساهمة المنظمات المهنية. وينبغي أن يصبح التدريب الداخلي، الذي يلائم بعض المهن الإدارية أقل نظرية. ونعتقد أن إحداث مقاولات للتدريب يمكن أن تكون مفيدة لهذا التكوين، حيث تتخذ شكل مراكز تطبيبقية تشتغل تماما مثل الشركات الحقيقية داخل سوق افتراضية، كما يمكنها أن تنتظم في شبكة وطنية أو دولية لفتح الطريق نحو تدريب عملي فعلي، في شكل محاكاة، لا تفرض على المتدربين تنقلات إضافية. البحث العلمي من أجل دينامية التميز ليس هناك أي معنى لتعليم عال دون بحث علمي. فالتكوينات غير المرتبطة بمختبرات الأبحاث يتجاوزها الزمن بسرعة، ذلك أن البحث العلمي يجدد الآفاق وينتج معارف جديدة من أجل مستقبل يطبعه التقدم. لهذا نريد لأصوات الباحثين أن تعلو هي الأخرى. إن البحث العلمي يواجه عدة عقبات لعل أهمها تعدد الفاعلين ضمن قيادة وطنية ممركزة تدبر ميزانية للبحث العلمي لا تتعدى 0.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام. زيادة على أن التعويض عن البحث الممنوح لفائدة الأساتذة الباحثين، على هزالته، يجب أن يرتبط بالإشراف على الأبحاث ونشر المقالات العلمية، غير أن هذا لا يشكل قاعدة معمولا بها في مجموع الجامعات. بالإضافة إلى ذلك، فإن أعداد التقنيين داخل الجامعات تتناقص باستمرار، مما يجعل الباحث يضيع حيزا مهما من وقته في تحيين معارفه حول طرق تشغيل التجهيزات والمعدات. إن “الأحرار” يريد توجيه الباحثين نحو طرق جديدة من البحث العلمي، تستدعي تجميعهم داخل وحدات مختلطة للبحث، تتعاطى والإشكاليات التي يعيشها المغرب مع الالتزام بأهداف محددة، وتقديم تقارير حول تقدم الأبحاث والعمل على نشرها. ويأمل الحزب في إعطاء الأولوية لمشاريع البحث والتنمية التي تقوي الشراكة بين الجامعة والمقاولة وبالخصوص تلط التي تكون بمبادرة من المقاولة. سنشجع بروز حاضنات للمقاولات المبتكرة داخل الجامعات حتى تتحقق مشاريع البحث وتنتشر ثقافة تثمين نتائج البحوث داخل النسيج الاقتصادي.