صادق مجلس النواب، أمس الاثنين، بالإجماع على مشروع قانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية وذلك في قراءة ثانية له.
وأكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في كلمة تقديمية لمشروع القانون، أنه يأتي استجابة لدعوات سبق أن وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح، مبرزا أن نص مشروع القانون موزع على ثلاثة أبواب، يتعلق أولها بالتعريف والتحكيم الداخلي، والتحكيم الدولي، فيما يهتم الثاني بالوساطة الاتفاقية، أما الباب الثالث فيهم أحكام انتقالية متفرقة.
وأبرز الوزير أن الوساطة أصبحت في بعض الدول مسألة ضرورية ومفروضة بواسطة القانون، موضحا أن التحكيم هو اتفاق بين قضاة يكونون في الغالب ثلاثة، أحدهما يعينه كلا الطرفين، أما القاضي الثالث فيكون باتفاق بين الأطراف أو بطلب من رئيس المحكمة.
وأفاد بأن التعديلات التي خضع لها مشروع القانون في القراءة الأولى أمام مجلس النواب بلغت 337 تعديلا ق بل منها 203، وتم التصويت عليه في الغرفة الأولى حينها بالإجماع، في حين تقدمت الفرق والمجموعات البرلمانية بمجلس المستشارين بـ 160 تعديلا ق بل منها 108 تعديلا وتم التصويت عليه أيضا بالإجماع، مشيرا إلى أن وزارة العدل تفاعلت بشكل إيجابي مع جميع التعديلات المقترحة، قبل أن يحال النص إلى مجلس النواب في قراءة ثانية.
وأكد وهبي على أن مشروع القانون سيفتح المجال لرجال الأعمال والشركات والأشخاص لربح الوقت في المقام الأول، ثم لإيجاد حلول لمشاكلهم، فضلا عن إعفاء القضاء من كثير من الملفات التي يمكن حلها بالاستعانة بالوساطة أو التحكيم.
وأشار إلى أن هناك نوعين من التحكيم، الوطني والدولي، مبرزا أن جل الشركات التي تعتزم الاستثمار في المملكة تشترط إدراج بند التحكيم، ومنه التحكيم الدولي، ضمن نص العقد المبرم.
وسجل الوزير أن النقاش مطروح حول وضع هيئة دولية للتحكيم بمدينة الدار البيضاء، باتفاق مع هيئة التحكيم بلاهاي، موضحا أن هناك سعيا لرفع مستوى غرف التحكيم حتى تستطيع الشركات الوطنية والأجنبية المستثمرة في المغرب التوجه للتحكيم، لما يعود عليها من ربح للوقت وتوفير للمصاريف.
وفي السياق نفسه، شدد وزير العدل على أن هذا المجال متخصص جدا، مما يستدعي خضوع المحامين لدراسات تكوينية تؤهلهم للعمل في هذا المجال، لأن التحكيم يخضع غالبا لمبدأ العدالة عوض القانون، وكذا العادات والتقاليد التجارية الجاري بها العمل بين الأطراف، مضيفا أن العمل جار لوضع تكوينات تخصصية، مثل معهد المحاماة والموثقين الذي تعتزم الوزارة عرض مشروع قانون بشأنه على أنظار مجلس النواب.
وخلال المناقشة العامة لمشروع القانون، اعتبرت فرق الأغلبية والفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي بمجلس النواب، أن هذا النص يشكل الإطار القانوني الكفيل بتحديث وتحيين وتطوير منظومة التحكيم والوساطة الاتفاقية، وسد الثغرات القانونية المعمول بها في إطار قانون المسطرة المدنية الذي يرجع إلى سنة 1974، بعدما أصبحت مقتضياته متجاوزة ولا يستجيب للاتفاقيات الدولية التي تجمع المغرب مع العديد من الدول.
وشددت فرق الأغلبية على أن مشروع القانون يأتي من أجل مواكبة سياسة الانفتاح التي نهجها المغرب في علاقاته الاقتصادية، بما فيها اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوربي واتفاقيات التبادل الحر مع العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية وتركيا وغيرها.
وأشارت إلى أن مشروع القانون هو بمثابة دعامة أساسية لتحسين مناخ الاستثمار بالمغرب في بعده القانوني والقضائي، لكونه يشكل ضمانة رئيسية لحماية المستثمر وتحصين معاملاته وصيانة حقوقه في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى تحسين مناخ الأعمال وتحفيز الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
بدورها، أكدت فرق ومجموعة المعارضة أن مشروع القانون يندرج في إطار المقاربة التي تبنتها المملكة في السنوات الأخيرة والمتمثلة في إدخال الوسائل البديلة عن التقاضي في المنظومة القانونية بشكل عام، وفي المجال المالي والاستثماري والتجاري بشكل خاص.
وأشادت بالمنهجية المعتمدة في إعداد مشروع القانون وبالأهداف التي يسعى لتحقيقها، موضحة أنه سيمكن من إرساء نظام قانوني مستقل للتحكيم والوساطة الاتفاقية كنظام موازي قوامه العدالة التصالحية والحد من المنازعات في مجال التجارة والاستثمار، وإعادة بناء العلاقات بين مختلف الفاعلين على أساس التراضي والثقة والاطمئنان، مما سيمكن من توفير الأمن القانوني الكامل للمستثمرين وكذا الشروط الأنسب لتحقيق تنمية ناجعة ومنصفة.
وتوقفت المعارضة النيابية عند الإيجابيات التي يتضمنها مشروع القانون والتي ستمكن، على الخصوص، من تحقيق السرعة والمرونة والفعالية في المساطر والسرية في الإجراءات، والاقتصاد في النفقات والحفاظ على الروابط الاقتصادية والتجارية بين الأطراف، وترسيخ السلم الاجتماعي والابتعاد عن تعقيدات التقاضي وعلنية جلساته وتعدد درجاته، فضلا عن تحسين موقع المغرب ضمن مؤشر مناخ الأعمال “doing business” المعتمد لقياس مؤشر التنمية لدى مختلف بلدان العالم.
وخلصت الى أن إنجاح هذا الورش الإصلاحي الهام وضمان التحول الإيجابي النوعي عبر الإدماج السلس لهذه الطرق البديلة يمر عبر توفير الشروط اللازمة لضمان التنزيل الأمثل لهذا النص التشريعي، الأمر الذي يتعين معه إعادة تنظيم مجموعة من الجوانب الإجرائية والموضوعية والمؤسساتية التي تبقى المدخل الأساسي لتأهيل التحكيم والوساطة الاتفاقية وضمان نجاعته بوصفه خيارا أصبح يفرض نفسه في الوقت الراهن.