في خطوة تاريخية من شأنها أن تفتح الباب على مصراعيها أمام مناضلات ومناضلي الحركة الأمازيغية للدخول للمعترك السياسي ومراكز القرار، توّج حزب التجمع الوطني للأحرار وجبهة العمل السياسي الأمازيغي سلسلة لقاءاتهما ومشاوراتهما في إطار حوار إيجابي ونقاش فعّال وإنصات كل طرف للآخر، باتفاق تاريخي لانضمام نشطاء الحركة الأمازيغية في الجبهة لحزب “الأحرار”، والدخول إلى مجال المشاركة السياسية من بوابة الحزب، في أفق رسم خارطة طريق للاشتغال لحقيق الأهداف التي سطرها الجانبان في هذا الحوار الإيجابي.
ويأتي هذا الحدث السياسي التاريخي الذي حظيت بإشادة واسعة من طرف مناضلات ومناضلي حزب التجمع الوطني للأحرار من جهة، وجبهة العمل السياسي الأمازيغي، من جهة ثانية، وأيضا مختلف المتتبعين للشأن السياسي ببلادنا، تتويجا لمسار الحوار بين الطرفين، الذي امتد على مدار عدة شهور، ليلتقي الجانبين في لقاء انعقد بالرباط يوم الثلاثاء 17 نونبر 2020 لقاء ضم عزيز أخنوش، رئيس حزب “الأحرار”، وممثلين عن المكتب السياسي للحزب، ومن جانب آخر المنسق الوطني لجبهة العمل السياسي الأمازيغي السيد محيي الدين حجاج وممثلين عن أعضاء لجنة الإشراف للجبهة.
وتأتي أيضا هذه المبادرة المهمة بعد مرحلة قطيعة مناضلات ومناضلي الحركة الأمازيغية مع المؤسسات والأحزاب السياسية، ثم بعدها مرحلة أخرى عرفت محاولات للاندماج في المشهد السياسي والحزبي ببلادنا، والدخول في معترك المشاركة السياسية ومراكز القرار بغية ممارسة النضال من أجل القضية الأمازيغية ومختلف القضايا الوطنية والمجتمعية، غير أن كل هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح، قبل أن تتوج مشاورات الجبهة وحزب “الأحرار”، بهذه الخطوة التاريخية، حيث أعلن الطرفان التأكيد والمصادقة على حصيلة ومخرجات عمل اللجنة المشتركة التي انبثقت عن أول لقاء والتي تضم ممثلين عن الحزب والجبهة.
كما ثمّن الجانبان في بلاغها المشترك بهذه المناسبة، مسارات الحوار والترحيب بمخرجاته السياسية والتنظيمية المتفق عليها، وانخراط الطرفين في تنزيلها مركزيا كما على مستوى الجهات والأقاليم المقرر انخراطها السياسي والتنظيمي بحزب التجمع الوطني للأحرار أفقيا وعموديا، بالتنسيق مع المنسقين الجهويين والإقليميين للحزب و الجبهة.
وقد أكدا أيضا عن انخراطهما من أجل ضمان مرافقة فعالة وجادة وذات مصداقية لكل ما تم التوصل إليه من قرارات، لنجاح هذه الخطوة السياسية التاريخية التي ستحدث منعرجا كبيرا في الساحة السياسية الوطنية.
وأهمية هذا الحدث، أبرزها عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ومحي الدين حجاجي، المنسق الوطني لجبهة العمل السياسي ومختلف المتدخلين، الذين وصفوا هذه الخطوة بالتاريخية التي من شأنها تمكين نشطاء الحركة الأمازيغية المعنيين من الولوج للعمل السياسي المؤسساتي والمباشر، بما يخدم مجمل القضايا الوطنية وعلى رأسها القضية الأمازيغية في شموليتها والتي طالما ركز عليها الجانبان طيلة مسار الحوار.
وقد رحب أخنوش بالتحاق جبهة العمل السياسي الأمازيغي بالعمل السياسي عن طريق الحزب، معتبرا أنه تتويج لمسار حافل من الحوار والتنسيق والتواصل بهدف إيجاد سبل للتنسيق، مضيفا أنه يوم تاريخي لتغيير العقليات والأفكار في اتجاه مستقبل أفضل للقضية الأمازيغية.
وتابع: “فخورون أيضا لأن أعضاء جبهة العمل السياسي الأمازيغي من مختلف الجهات واختاروا الالتحاق بالأحرار بعد جولات النقاش الغني مع عدد من الأحزاب الوطنية..”، مردفا “هذا الالتحاق، في نظري لم يأتي من فراغ وليس صدفة، وإنما التحاق عن قناعة بأن خدمة القضية الأمازيغية سيكون أكثر فعالية وجدوى من داخل المؤسسات”.
وأكد على أن المؤسسة الملكية أدت دورها كاملا في توفير الحماية الدستورية، ومسؤولية النهوض بالأمازيغية تقع اليوم على عاتق الأحزاب، مشيرا إلى أن “الأحرار قدموا للقضية الأمازيغية مواقف حقيقية وملموسة، حيث تعتبر أولوية لدى الحزب باعتبار اللغة والثقافة الأمازيغية ملك وإرث مشتركا لجميع المغاربة”، مشيرا إلى أن هاجس الحزب اليوم هو الحرص على تفعيل الطابع الرسمي والدفاع عن تعليم الأمازيغية، وتعزيز المكتسبات.
من جهته، نوّه محي الدين حجاجي، المنسق الوطني لجبهة العمل السياسي الأمازيغي، بهذه الخطوة التاريخية، وأيضا بالمسار الطويل من المشاورات بين الجانبين، الذي توّج بهذا اللقاء المهم.
وذكّر المتحدث نفسه بأن نشطاء الحركة الأمازيغية كانوا يمارسون السياسة على طريقتهم الخاصة، المبنية على الرفض المطلق لكل شيء، ومقاطعة ما له علاقة بالمؤسسات والدولة، مبرزا أن “هذا الغياب من المجال المؤسساتي لم يكن رغبة ذاتية أو نفور عبثي، ولكن بنيناه على مجموعة من المعطيات من قبيل أنه لا يمكن أن نشتغل داخل مؤسسات لا تعترف بالأمازيغية”.
وبعد دستور 2011، يضيف حجاجي، كانت هناك مجموعة من المستجدات، وهناك على الأقل أرضية للاشتغال، سواء من داخل الأحزاب أو المؤسسات، مردفا “عموما بعد هذا النقد الذاتي نحجن اليوم مع حزب التجمع الوطني للأحرار من أجل الوصول إلى صياغة اتفاق والاشتغال الحقيقي..”
وتابع: ” كلمة الرئيس عزيز أخنوش خلال المؤتمر الاستثنائي شجعتني.. كنا من قبل نخاف أن يكون الفاعل الحزبي ينظر إلى القضية الأمازيغية من زاوية ضيقة، لكن كلمة الرئيس طمأنتني وطمأنت الكثير من الإخوة..”
من جانبه، أشاد أحمد أرحموش، الناشط الأمازيغي بهذا اللقاء الذي جاء بعد سلسلة من المشاورات بين الجانبين، ومسار عرف تحديات كبيرة، من قبيل التردد والانتظارية والاتكالية وكل ما يمكن أن يساهم في عرقلة مساهمة مناضلات ومناضلي الحركة الأمازيغية في إطار المشاركة السياسية عبر المؤسسات، مضيفا أن لهذه المحطة ما بعدها، نظرا لما ستفرزه من نقاشات على مستوى جسم الحركة الأمازيغية والمتتبعين، مباشرة بعد هذه المحطة.
وبعد أن ذكّر أرحموش بأن نشطاء الحركة الأمازيغية حاولوا عبر عدة وسائل وطرق الدخول إلى مجال المشاركة السياسية، لكن كل المحاولات وصلت للباب المسدود، مردفا: “لكن هذه المحطة مع حزب “الأحرار” وصلناها بوجود قناعة وإرادة سياسية لدى الطرفين، ثم نطمح للوصول إلى الأهداف التي ستلعب دورا مهما في خلخلة بعض الثوابت لدى بعض مناضلات ومناضلي الحركة الأمازيغية، وأيضا لدى التنظيمات السياسية ومؤسسات مختلفة”.
وتابع: “وهذه المحطة ستفتح الباب أمام مناضلات ومناضلي الحركة الأمازيغية للمشاركة في صناعة القرار، خصوصا ونحن نفتخر بلوغ هذه المحطة.. بالمقابل علينا أن نعمل جميعا كل من موقعه لتنزيل خلاصات الحوار على أرض الواقع.. ومطالبون بمرافقة الخلاصات بجدية وحزم وتعقل لتحقيق الأهداف المتوخاة، ليس فقط للأمازيغية، ولكن أيضا لخدمة القضايا التي سنعمل عليها جميعا بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لما يخدم الوطن والمواطنين..”
أما الناشطة الأمازيغية أمينة ابن الشيخ، فقد وصفت هذا اللقاء، بلحظة تلاحم وتلاقح وإرادة التغيير، مضيفة “.. نحن في الحركة الأمازيغية نعتبر أنفسنا نجحنا في مهمتنا لأننا أوصلنا الأمازيغية لمرحلة الاعتراف”.
وأشارت إلى أن الأمازيغية مشروع مجتمع لا يمكن أن ينجح إلا بدماء جديدة وبخطاب جديد، مضيفة أن هذا المشروع له مرجعيات في الخطابات الملكية وأوراق الحركة الأمازيغية وقيم “تمغرابيت”، وهذه القيم موجودة في وثيقة حزب التجمع الوطني للأحرار “مسار الثقة”، كما له أيضا خارطة طريق ويتعلق الأمر بـ”أغراس أغراس” الذي لا يمكن إلا أن يكون خيارا للنجاح، تضيف ابن الشيخ.