أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اليوم الإثنين بمجلس النواب، أن الحكومة واعية برهانات التعليم العالي وتعمل على معالجة مختلف الإشكاليات التي يعاني منها القطاع، من أجل بناء جامعة مغربية دامجة ومنسجمة مع الإصلاحات الوطنية، وذلك انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية.
في هذا الإطار، قال أخنوش في كلمته بمجلس النواب خلال جلسة الأسئلة الشهرية حول السياسة العامة، إن التوجيهات الملكية السامية شكّلت على الدوام، بوصلة واضحة الأهداف لاعتماد حكامة مؤسسية لقضايا التربية والتكوين.
وذلك، يضيف رئيس الحكومة، عبر دعوة جلالته المتبصرة كافة الفاعلين المعنيين بقطاع التعليم إلى تجويد السياسات والبرامج المعتمدة، وتوفير خدمات ذات جودة لفائدة الشباب، لتعزيز مسارات التمكين الدراسي والبحث العلمي والابتكار، وضمان الإلتقائية المطلوبة بين إشكالية التشغيل وتأهيل الرأسمال البشري، وبالتالي خدمة أهداف التنمية الوطنية .
وأشار إلى أن جلالة الملك سبق وأكد بمناسبة المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين حول فعالية وتطوير المدارس بتاريخ 7 يناير 2020 بمراكش، على العناية الخاصة التي يوليها جلالته للنهوض بالتعليم، انطلاقا من إيمانه الراسخ بأدواره الحاسمة، كرافعة لتحقيق التنمية المستدامة، في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.
وأكد أن من شأن هذه المنطلقات الملكية السديدة أن تحدد طريق عمل الحكومة، لاسيما فيما يتعلق باسترجاع جاذبية نظامنا التعليمي وجعله النواة الصلبة للنهوض بواقع الشباب وتقليص نسب البطالة وتعزيز الاندماج في سوق الشغل. بما ينسجم مع أهداف الرؤية الاستراتيجية المحددة في مضامين القانون الإطار 51.17.
وذكّر كذلك بأن خلاصات النموذج التنموي الجديد كشفت الحاجة المتزايدة لتعزيز الرأسمال البشري كمسألة حاسمة لنجاح مسارات التنمية ببلادنا، وتعزيز قدرة المواطنين على مواجهة المستقبل وتمكين المملكة من تقوية تنافسيتها، مردفا “مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة مراجعة مختلف الارتباكات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين، عبر القيام بتحديث مستمر وفعلي لمؤسسات التعليم العالي العمومية والخاصة، والعمل على الرفع من حسن أدائها، وجعل الطالب في صلب هذه الإصلاحات وتأهيل قدراته العلمية والثقافية لإنجاح اندماجه في سوق الشغل”.
وبالنظر لكون الجامعة المغربية توجد في قلب الدينامية التنموية ببلادنا، يضيف أخنوش، فقد أولتها الحكومة عناية خاصة، من خلال مراجعة أهم التحديات التي تطرحها منظومة البحث العلمي والتكوين، وما يستلزمه ذلك من إعادة النظر في مختلف الجوانب التنظيمية والتأطيرية والبشرية المرتبطة بها، مردفا “لكن للأسف لازالت مؤسساتنا الجامعية تحيط بها العديد من مظاهر المحدودية المرتبطة أساسا، بمستوى المردودية ونقص الموارد البشرية ناهيك عن بعض التحديات الاستراتيجية والتنظيمية”.
وعلى سبيل المثال، يضيف أخنوش، بلغت نسبة الهدر الجامعي بدون الحصول على دبلوم في الفترة الماضية ما يقارب 49%، ثم تسجيل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعة بنسبة 18,7% في نظام الاستقطاب المفتوح (8,5% في الاستقطاب المغلق)، مع تسجيل نسبة التأطير البيداغوجي أقل من المؤشرات المتعارف عليها عالميا بمعدل أستاذ واحد لحوالي 120 طالب في كليات الاستقطاب المفتوح، وتدني فاعلية الكليات متعددة التخصصات كنموذج منتقد دوليا، بحيث أوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين بضرورة مراجعته.
وأيضا، يضيف رئيس الحكومة، تحدي إحالة 2200 من أجود الأطر التدريسية في أفق 2026 إلى التقاعد، ثم انغلاق المنظومة وعدم تماشيها مع أولويات التنمية على المستويين الجهوي والوطني، بالإضافة إلى تدني جودة البحث العلمي، سواء من حيث ضعف الميزانية المخصصة له ( 1,6 % من الميزانية العامة خلال سنتي 2021 و2022 ) أو من حيث عدد الباحثين الذي لا يتجاوز 1708 باحث لكل مليون نسمة.
وشدد رئيس الحكومة على أن الحكومة تعمل على معالجة هذه الإشكاليات ضمن مضامين التصور الاستراتيجي الذي أعدته الحكومة خلال سنتها الأولى، والذي سيحدد الخطوات اللازمة لبناء جامعة مغربية دامجة ومنسجمة مع الإصلاحات الوطنية.
في السياق نفسه، أشار أخنوش إلى وعي الحكومة برهانات هذا القطاع متعددة الامتدادات، دفعها لاعتماد مقاربة تشاركية واسعة النطاق من أجل تعبئة الذكاء الجماعي، من خلال إشراك جميع الأطراف المعنية داخل الجامعة والقوى الحية على المستوى الجهوي والإقليمي، بما في ذلك الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين وفعاليات المجتمع المدني، ضمانا لتسريع اندماج المملكة في مجتمع المعرفة.
وتابع: “وهي مقاربة تشاورية، غير مسبوقة، تم في إطارها تنظيم 13 مناظرة جهوية حرصنا من خلالها على تعزيز ومواكبة عملية البناء المشترك لهذا الإصلاح”، مضيفا أن هذه المناظرات شكلت محطة أساسية لتبادل وجهات النظر وتقاسم الآراء بالإضافة إلى رصد تطلعات الفاعلين على المستوى الجهوي، بغية إرساء نموذج جامعي جديد يكرس الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به الجامعة المغربية كمنارة للعلم والمعرفة ورافعة للقيم المجتمعية، بالإضافة إلى دورها في إعداد كفاءات الغد.
وأبرز أن هذه المحطات عرفت تجاوبا كبيرا من لدن الفاعلين، حيث شهدت تعبئة ما يفوق 35.000 مشارك منهم 1350 فاعلا من الجماعات الترابية و580 فاعلا اقتصاديا و650 فاعلا من المجتمع المدني وأكثر من 400 مشارك من الكفاءات المغربية بالخارج.
كما تمخض عن هذه المناظرات، وفق رئيس الحكومة، أزيد من 3000 توصية من خلال المنصات الإلكترونية المخصصة للقاءات التشاورية، وإبرام 127 اتفاقية شراكة بين الفاعلين على الصعيد الجهوي، تتعلق بالمجالات ذات الأولوية مثل السكن الجامعي، والمنح المخصصة للحركية الوطنية وكذا مسالك التكوين التي تستجيب لحاجيات القطاعات الإنتاجية.