أبرز محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، أمس الأربعاء بالبرلمان، أن ورش إصلاح المنظومة الصحية في المغرب لم يعد مجرد ملف قطاعي تقني أو ظرفي، بل تحول إلى مطلب مجتمعي واسع ومصيري، يتقاطع فيه التوجه الملكي السامي مع اختيارات الحكومة وانتظارات المواطنين، وبشكل خاص طموحات الشباب.
وأكد، خلال مداخلته ضمن جلسة للجنة القطاعات الاجتماعية، خصصت لتقديم عرض لوزير الصحة حول المنظومة الصحية الوطنية، أن هذا الملف أصبح اليوم رهانا سياسيا واجتماعيا في لحظة دقيقة من تاريخ المغرب، لحظة تستدعي الوضوح في الخطاب والجرأة في اتخاذ القرارات، والتخلي عن المقاربات الترقيعية التي طبعت مسار تدبير قطاع الصحة لعقود طويلة.
وحذر مما وصفه بخطر “شيطنة الأحزاب”، معتبرا أن هذا السلوك يفرغ العمل السياسي من مضمونه ويدفع المواطنين إلى العزوف، قائلا إن الخطاب الذي يجعل تعبيرا سياسيا واحدا مثاليا ويحاول تصوير باقي التعبيرات الحزبية كشيطانية، يهدد الحياة الديمقراطية، كما أكد، في الوقت نفسه، أن الحزب ظل عبر تاريخه حاضرا في اللحظات المفصلية مدافعا عن المؤسسات.
وأكد أن التجمع الوطني للأحرار حزب ديمقراطي متجدد، مؤمن بتحرير الطاقات، وأن وزراءه ونوابه أمثلة حية لهذا التجديد.
وبانتقاله إلى موضوع الصحة، أشار شوكي إلى أن الاجتماع البرلماني انعقد في ظرف سياسي غير عادي، حيث تداخلت مؤشرات عديدة تؤكد أن المنظومة الصحية تجاوزت بعدها القطاعي الضيق لتصبح قضية مجتمع بأسره، خاصة وأن تعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية يشكلان حجر الزاوية في المشروع الملكي للدولة الاجتماعية.
واستحضر في هذا السياق الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في فعاليات اليوم العالمي للصحة سنة 2019 بالرباط، التي شددت على ضرورة الالتزام بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الولوج إلى الخدمات الصحية، وضمان الحق الأساسي في التمتع بأعلى مستوى من الصحة. وأوضح أن هذه الاختيارات الكبرى لا تعكس فقط إرادة عليا، بل تلتقي مع مطالب الشباب المغربي التي تعبر اليوم عن نفسها في الشارع وفي الفضاءات الإلكترونية.
وحدد شوكي أربعة مرتكزات أساسية يقوم عليها ورش الصحة: العناية الملكية بضمان الحق في الصحة لكل المغاربة دون تمييز، والتزام المغرب بالمواثيق الدولية ذات الصلة، ثم الدستور الذي يقر مسؤولية الدولة في توفير العلاج والعناية الصحية بما يضمن الحق في الحياة، وأخيرا برنامج الحكومة الذي التزم منذ بدايته بإصلاح القطاع وصون كرامة المواطنين عبر رعاية صحية جيدة.
وانتقل رئيس الفريق التجمعي إلى تقييم حصيلة الحكومة في المجال، مشيرا إلى أنها أطلقت منذ تعيينها سلسلة من الإصلاحات البنيوية، بدءا من اعتماد ترسانة تشريعية جديدة، مرورا بتفعيل ورش التعميم الإجباري للتغطية الصحية الذي مكن حوالي 22 مليون مغربي من الاستفادة، ووصولا إلى تقوية الموارد البشرية وتحسين أجور الأطباء.
كما أطلقت الحكومة برنامجا طموحا لتأهيل نحو 1400 مركز صحي أولي، وعززت الطاقة السريرية بما يفوق 700 سرير جديد، إلى جانب تشييد مستشفيات كبرى في مختلف الجهات والأقاليم، “وهذه إنجازات غير مسبوقة على المستوى المؤسساتي والتشريعي والاستثماري”، حسب شوكي.
في المقابل، اعتبر أن التحدي الأكبر اليوم يكمن في بطء انعكاس هذه الإصلاحات على حياة المواطنين اليومية، حيث يظل المواطن البسيط غير قادر على تلمس أثر مباشر داخل المستشفيات، سواء بسبب محدودية جودة الخدمات أو ضعف التزام بعض الأطر الصحية.
ودعا النواب البرلمانيين إلى الانتباه إلى هذا الواقع، لأن الاستجابة للمطالب الاجتماعية المتصاعدة، خصوصا في قطاع الصحة، لم تعد مسألة اختيار سياسي، بل أصبحت مسألة مرتبطة بالمصداقية السياسية والاستقرار الاجتماعي، على حد قوله.
وتوقف عند مشكل الموارد البشرية، معتبرا أنه من أعقد التحديات التي تعرقل فعالية الإصلاح، حيث ظل توزيع الأطر الصحية محكوما بالزبونية وغياب العدالة المجالية. وأكد ضرورة القطع مع هذا الإرث عبر سياسة جديدة تقوم على التحفيز الحقيقي للأطباء والممرضين، وضمان الاستقرار في المناطق النائية، وتوفير تكوين مستمر وحماية اجتماعية فعالة.
وأشاد في هذا السياق بخطوة الوزارة في إخراج دفعات جديدة من أطباء الاختصاص، رغم بعض الإشكالات التي شابت التعيينات والحركات الانتقالية، والتي أدت إلى تمركز الأطباء في محاور معينة على حساب مناطق أخرى.
كما اعتبر أن تفعيل الخريطة الصحية الوطنية يمثل مفتاح الحكامة الاستشفائية، لأنه يضمن توزيعا عادلا للبنيات الصحية والتجهيزات والموارد البشرية بين مختلف الجهات، معلنا استعداد فريقه لدعم أي تقوية تشريعية في هذا الصدد.