أفاد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، أن للمغرب نموذج ديمقراطي متأصل، تأسس على مراكمة الإصلاحات، ووفر من أجل ذلك الإطار الدستوري، والتشريعات، والمؤسسات والآليات الدستورية التي تيسر له الاستدامة والمتانة والقوة والمناعة.
وأبرز أن الطموح المشترك يتحدد في إطلاق دينامية جديدة في الديمقراطية التشاركية والمواطنة، خاصة في شقها المتعلق بالعرائض والملتمسات حيث يضطلع المجتمع المدني بأدوار تأطير مبادرات المواطنين، بما يغذي الديمقراطية المؤسساتية التمثيلية، وأن يكون لكل ذلك أثر إيجابي على منسوب الثقة في المؤسسات.
وأكد الطالبي العلمي، في كلمته خلال افتتاح لقاء تواصلي حول الديمقراطية التشاركية مع الهيئات المجتمع المدني حول تفعيل الديمقراطية التشاركية والمواطنة في الشق المتعلق بتقديم العرائض والملتمسات إلى السلطات المنتخبة والتنفيذية، أن مجلس النواب “يحرص على توفير الإطار الملائم لتقلي المبادرات المواطنة، بدءا من تأطير ذلك بفصول من النظام الداخلي للمجلس، وبتشكيل لجنة العرائض التي تمثل المعارضة والأغلبية، وبتعيين مصلحة في إدارة المجلس لهذا الغرض، كما كشف ان المجلس بصدد الاشتغال على آلية معلوماتية رقمية لتدبير العرائض والملتمسات الموجهة إليه”.
وأشار الطالبي العلمي أن عدد جمعيات المجتمع المدني المغربي يزيد عن المائتي ألف، وتشتغل في مختلف مناحي الحياة العامة في جميع مناطق المغرب. مبرزا أن هذا التنوع المجالي، والموضوعاتي في المجتمع المدني، والدينامية الذي يتميز بها دليل قاطع على ثراء التعددية الثقافية والمدنية المغربية، و”هو صورة ساطعة عن حرية التنظيم، والمبادرة، والتأطير التي توازي التعددية الحزبية وثراء المشهد السياسي والنسق الحزبي الوطني وتعددية خلفياته السياسية والنظرية”، حسب تعبيره.
وأكد أن هذه التعددية الحزبية والثقافية والمدنية المنصهرة في الهوية الوطنية الموحدة، تعبر عنها صحافة تعددية حرة، نقدية بخلفيات سياسية وفكرية وإعلامية متنوعة طبعت دوما الحياة الوطنية مهما كانت الظروف والسياقات، مبرزا أنها رصيد يبعث على الفخر، وواقع لا يمكن إلا أن الاعتزاز به.
وعبر عن اعتزازه بالنموذج الدستوري والمؤسساتي للمملكة، حيث “حرص القانون الأسمى للأمة على دسترة مركز وأدوار وحقوق وواجبات المجتمع المدني، سواء في ما يرجع إلى الديمقراطية التشاركية والمواطنة وتأطير مبادرات المواطنات والمواطنين في هذا الباب، أو إلى المساهمة في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وتفعيلها وتقييمها. ومن أجل إعمال كل ذلك، اعتمدت بلادنا القوانين التنظيمية ذات الصلة بالديمقراطية التشاركية وخاصة القانونين التنظيميين المتعلقين بالملتمسات من أجل التشريع والعرائض الموجهة إلى الهيئات المنتخبة والسلطات التنفيذية الوطنية والجهوية والمحلية”، حسب تعبيره.
ولفت إلى تعمد البعض تجاهل قوة النموذج المؤسساتي المغربي، وبنائنا الديمقراطي، ما يفرض التذكير والتعريف به، حتى تجد حملات الخلط والافتراء طريقها إلى النهاية، ويسود منطق العقل في العلاقات بين الشركاء.
وأبرز أن مجمل اللقاءات التي نظمها مجلس النواب بخصوص الديمقراطية التشاركية تجعل الجميع يتساءل حول السبيلإلى جعل المجتمع المدني يساهم في إثراء الديمقراطية ويضطلع بالأدوار، ويمارس الحقوق التي يكفلها له الدستور والتشريعات ذات الصلة، ويؤطر مبادرات المواطنين في مجال العرائض إلى السلطات العمومية والتمثيلية، والملتمسات من أجل التشريع إلى السلطة التشريعية.
في هذا الإطار، لفت الطالبي العلمي إلى أن ما تحقق هذا المجال لا يرقى إلى مستوى الطموح الوطني المشترك. ولا يعكس دينامية وقوة وامتدادات المجتمع المدني المغربي الذي تميز على مدى عشرات السنين مساهما في إثراء الحقل الثقافي وتجسيد التنوع، وفي تحقيق التنمية وتقوية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومدافعا عن حقوق الإنسان، بعد أن ساهم في الحفاظ على الشخصية المغربية والتوعية الوطنية في مواجهة الاستعمار البائد.
وأبرز أن الهدف من الديمقراطية التشاركية هو تعزيز البناء المؤسساتي وتكريس الثقة، وبناء الإنسان، وتقوية التمساك الاجتماعي، ما يستوجب حسبه “استثمار الحقوق التي يكفلها الدستور والتشريعات ذات الصلة للمجتمع المدني، من أجل بلوغ تلك الأهداف”، كما يستوجب “التصدي للمعيقات التي تجعل الحصيلة الوطنية في ما يخص الديمقراطية التشاركية ودور المجتمع المدني في إعمالها دون الطموح المشترك”، حسب تعبيره.
وأكد أنه يجب التغلب على خمس صعوبات أساسية من أجل تحقيق مقاصد الدستور والتشريع الوطني، من تبويء الهيئات المدنية والديمقراطية التشاركية مركزا مهما في الهندسة الدستورية. ويتعلق الأمر أولا بالمساطر والشروط المطلوبة حتى تكون العريضة أو الملتمس من أجل التشريع مقبولا من حيث الشكل، خاصة في ما يرجع إلى الوثائق المطلوبة، وعدد الموقعين على العريضة أو الملتمس، وتوزيعهم الجغرافي.
أما الصعوبة الثانية التي استعرضها الطالبي العلمي فتتمثل في الحاجة إلى المهارات الضرورية التي ينبغي أن تتوفر في مؤطري أو معدي المبادرة المواطنة متمثلة في العريضة أو الملتمس، مشيرا بالطاقات الخلاقة التي تتوفر في المجتمع المدني المغربي، وهو ما يحتاج حسبه إلى مجرد تمرين يوقظ هذه الطاقات والإمكانيات الكاملة وتحويلها إلى فعل ومهارات، من خلال إطلاق برنامج تكوينات مؤسساتية سيعمل عليها مجلس النواب.
وتتمثل الصعوبة الثالثة، كما جاء على لسان الطالبي العلمي، في تدبير التواصل بين هيئات المجتمع المدني من جهة، والمؤسسات المعنية بالعرائض والملتمسات من أجل التشريع من جهة أخرى، واعتبر أن الأمر يتعلق بإشكال مغلوط، أو نفسي أكثر منه صعوبات مادية ملموسة، ينبغي أن نتغلب عليه بتغليب مقاصد الدستور وتمثل مصلحة المجتمع.
أما الأمر الرابع فيتمثل في توظيف المعلومات واستغلالها على نحو أمثل، وخاصة المعلومات التشريعية، واستثمار تكنولوجيا المعلومات لهذا الغرض. فالمساهمة في التشريع من خلال التعليق أو اقتراح تعديلات على مشاريع ومقترحات النصوص الخاضعة لمسطرة التشريع.
وأما الإشكال الخامس حسب الطالبي العلمي، فيتمثل في نجاعة اختيار محتوى العريضة أو الملتمس، أي مدى ملاءمتها للحاجة المجتمعية، وحدود احترامها للاختصاص، وتجنب تنازع المصالح والترفع على كل نزعة أو مصلحة خاصة أو فئوية.
وختم كلمته بالقول بأن مما يميز النموذج الديمقراطي والمؤسساتي المغربي، هو المركز والأدوار المكفولة للمجتمع المدني، وللديمقراطية التشاركية والمواطنة، و”إذ أعيد التأكيد على أنها لن تحل محل الديمقراطية المؤسساتية التي تكتسب شرعيتها من الانتخابات، وباعتبارها تجسيدا للإرادة الشعبية المعبر عنها في صناديق الاقتراع، أجدد التأكيد على أن من معايير ديمقراطية القرن 21، الانفتاح على المواطنات والمواطنين وإشراك المجتمع المدني، اعتبارا لما يميز حضوره وعمله من قرب وامتداد مجالي، ويقظة”، حسب تعبيره.