أفاد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، في كلمته خلال أشغال الدورة الثالثة لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي لمنطقة الأرومتوسطية والخليج، أنه من شأن المشاريع والمبادرات التي اقترحها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لفائدة القارة أن تسهم في تحويل إفريقيا إلى أرض جاذبة للاستثمارات والبشر ورأس المال والتكنولوجيا.
واعتبر الطالبي العلمي، في كلمته التي ألقاها بدلا عنه محمد صباري النائب الأول لرئيس مجلس النواب، أن التجارة الدولية كما هندسَتها العولمةُ والمبادلات الحرة، وتدفق البضائع، تواجه اليوم عدة تحديات منها عدم التوازن، وازدهار الأنانيات القُطرية، مما يفرغ المنافسة الحرة من معناها ومن أغراضها. مشيرا إلى أن هذه الإشكاليات تطرح عدة أسئلة بشأن مستقبل العولمة بالصيغ التي أسَسَّت لها اتفاقيات التجارة والتعريفات الجمركية التي وقِّعَتْ وثائقُها النهائية، في مراكش عام 1994.
وأوضح أن الأمر لا يتعلق بالعولمة في شقها التجاري والاقتصادي فحسب، ولكن بمجموع النظام العالمي الذي يزداد ضبابية وانقسامًا وتقاطبًا.
من جهة أخرى، استحضر الطالبي العلمي إدراج التحول نحو إنتاج الطاقة من مصادر متجددة على جدول أعمال هذه الدورة، ويتعلق الأمر بموضوع يثير العديد من المناقشات، وهو موضوع يرتبط بتعاقدات دولية، ويكتسي أبعاد تتجاوز البيئة والالتزام بالحفاظ عليها، إلى إشكالية العدالة المناخية، والفوارق بين الشمال والجنوب، ومُعضلات تمويل الاقتصاد الأخضر.
وأفاد أن استفادت الدول المتقدمة لقرون من الإنتاج الصناعي ينجم عنه في المقابل التلويث للبيئة واختلالات مناخية، الشيء الذي تدفع ثمنه شعوب بلدان الجنوب أكثر من غيرها، وبالتحديد إفريقيا وأمريكا اللاتينية والبلدان الجُزرية، حيث يتسبب التطرف المناخي في الفقر والهجرات والنزوح.
كما استحضر طرح مسؤولية تمويل الاقتصاد الأخضر ومدى الوفاء بالالتزامات الدولية ومدى توفير الإرادة بتحويل التكنولوجيات الميسرة لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة. بينما لا تزال فئات عريضة من مواطني بلدان الجنوب لم تتمتع بعد بالحق الأساسي في الحصول على الطاقة من مصادرها التقليدية.
“وهكذا يستفزنا مرة أخرى سؤال التضامن الدولي في شقه المتعلق بكلفة التكنولوجيا، وبراءات الاختراع، ومدى الاستعداد لتيسير تحويلها إلى الجنوب بالكلفة التي تجعلها مُتاحةَ على أوسع نطاق”، يضيف الطالبي العلمي.
في علاقة بذلك، وبإشكاليات وسائل الإنتاج والتمويل والتضامن، تطرق الطالبي العلمي لمشكل الأمن الغذائي، وسؤال الفوارق بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وإشكالية الجوع، وسوء التغذية في بعض مناطق العالم، في الوقت الذي تنعم فيه مجتمعات عديدة بفائض في الأغذية، ويتم تقدير ما يُقذف في القمامات من أطعمة صالحة للاستهداف، بملايير الدولارات.
وأبرز أن العديد من البلدان حققت انتقالات تكنولوجية هائلة، منتقلة من الصناعة إلى المعلوميات، ثم إلى الرقميات، ثم إلى الذكاء الاصطناعي، بفوائده والتحديات التي يطرحها لجهة خصوصية الحياة الشخصية، وتعويض اليد العاملة والعقول البشرية، بينما ما تزال البلدان الفقيرة تبحث عن التمويلات لوضع التجهيزات الأساسية الأولية للاستفادة من هذه التكنولوجيا.
وتساءل الطالبي العلمي عن مدى الالتزام بقيم ومبادئ التضامن الدولي في ربح رهانات مبادلات اقتصادية دولية عادلة ومتوازنة، وتحويل التكنولوجيا، من أجل تحقيق رهان الانتقال الطاقي وبناء الاقتصاد الأخضر، “إذ إن مطالبة بلدان فقيرة أو نامية بالالتزام بأجندات لا تتوفر على موارد لتمويلها، لن يكتب له النجاح إلا بالتضامن الدولي، وبسياسات تيسر نقل التكنولوجيا وتملكها في بلدان الجنوب خاصة”، على حد قوله.
واعتبر أن للمجتمع الدولي القدرة على بناء السلام والاستقرار في العالم، “إذ لا تنمية دون استقرار وأمن، وهنا يُطرح سؤال الالتزام بما يشكل حجر الزاوية في النظام الدولي والعلاقات الدولية: احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية”، يضيف الطالبي العلمي.
كما استفسر عن مدى الالتزام بالأخلاق في استعمالات التكنولوجيا، وبالتحديد الذكاء الاصطناعي الذي ينبغي أن يُوجه لدعم الإبداع والاختراعات وتيسير المبادلات، وتسهيل الحياة للناس. وينبغي العمل في اتجاه ألا يعمق الذكاء الاصطناعي واستعمالاتُه، الفوارق بين البلدان، وداخل البلد الواحد.
واعتبر أن بلدان الخليج العربي، والبلدان المتوسطية، تتوفر على إمكانيات هائلة للمساهمة في ربح هذه الرهانات ورفع تلك التحديات، “وعلينا أن ننظر بتبصر إلى محيطنا القريب: وبالذات القارة الإفريقية التي نفتخر بالانتماء إليها، والتي تتوفر على إمكانيات وموارد هائلة، يمكن بتحويلها إلى ثروات ومشاريع، أن يجعلها قارة القرن 21”.
يشار إلى أن المنتدى الاقتصادي البرلماني لمنطقة الأورومتوسطية والخليج ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من طرف مجلس المستشارين والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط بمدينة مراكش يومي 23 و24 ماي 2025، تحت شعار: “تحديات اقتصادية وتجارية وطاقية غير مسبوقة – استجابة البرلمانات الإقليمية والقطاع الخاص”.