أكد لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في معرض جوابه على السؤال الشفوي رقم 10683 الذي تقدم به الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، أن الصناعة التقليدية تمثل ركيزة أساسية في صيانة الهوية الثقافية الوطنية، كما تضطلع بدور محوري في تثمين الموروث الحضاري المغربي.
وإلى جانب أبعادها الرمزية والثقافية، يشكل هذا القطاع أيضًا مصدرا رئيسيا لفرص الشغل، حيث يضم ما يقارب 2.7 مليون صانعة وصانع تقليدي، أي ما يعادل 22 في المائة من مجموع الساكنة النشيطة، ويساهم بنسبة 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فيما بلغت قيمة صادراته 1.11 مليار درهم برسم سنة 2024.
وفي إطار النهوض بهذا القطاع الحيوي، أبرز السعدي أن كتابة الدولة تعمل على تنزيل رؤية متكاملة تؤسس لإصلاح عميق يستند إلى مقاربة شمولية تغطي مختلف حلقات سلسلة القيم، بدءا من التكوين والتجهيز والمواد الأولية، مرورا بتحسين الجودة وتعزيز القدرة التنافسية، وصولا إلى التسويق والانفتاح على الأسواق الدولية. وأكد أن الغاية من هذه المقاربة هي تمكين الصناعة التقليدية من التموقع بفعالية داخل الاقتصاد الوطني، وتحسين قدرتها على الصمود في وجه المنافسة الأجنبية وتغيرات العصر، فضلًا عن حمايتها من الاندثار.
وأضاف أن جهود كتابة الدولة تتجه نحو تحسين جودة المنتجات التقليدية من خلال استكمال برنامج علامات الجودة، حيث تم إحداث 77 علامة جماعية للتصديق، مع العمل على تعزيز البنية التحتية للإنتاج والتسويق، إذ يتوفر القطاع حاليًا على 140 بنية قائمة و50 أخرى قيد الإنجاز، إضافة إلى أكثر من 100 دار للصانعة بالعالم القروي. كما يتم الاشتغال على إعادة هيكلة النسيج المقاولاتي والجمعوي المرتبط بالصناعة التقليدية، بإحداث هيئات تمثيلية على المستويات الإقليمية والجهوية والوطنية، بما يعزز التنظيم المهني ويقوي تمثيلية الصناع.
وفي سياق متصل، أكد السعدي أن كتابة الدولة تعمل على تطوير سلاسل الإنتاج والرفع من قيمة التحويل المحلي للمنتوجات، مع الحرص على ربط الحرف التقليدية بالإرث الثقافي والتاريخي للمملكة. كما يتم تعزيز آليات التمويل ودعم تسويق المنتوجات من خلال تنويع القنوات والأسواق، إلى جانب تحسين ظروف اشتغال الصناع عبر تعميم السجل الوطني للصناعة التقليدية وتوسيع الاستفادة من التغطية الصحية، إذ تجاوز عدد المسجلين بالسجل الوطني 421 ألف صانع وصانعة، ما يشكل خطوة مهمة نحو إدماج القطاع غير المهيكل.
وشدد كاتب الدولة على أهمية تقوية الإطار القانوني والمؤسساتي، ومواكبة غرف الصناعة التقليدية والمؤسسات التابعة للقطاع، إلى جانب تطوير خدمات التوجيه والمصاحبة والتكوين المستمر، والتصديق على مكتسبات التجربة المهنية، وهو ما يعزز الاعتراف بالكفاءات المكتسبة ميدانيًا. كما يتم تعزيز برامج الدعم التقني والفني، وتوفير الخبرات الضرورية، والانفتاح على البحث والتطوير، إلى جانب تيسير سبل التزود بالمواد الأولية وتنظيم جوائز تحفيزية للصناع التقليديين، والعمل على تطوير القطاع التعاوني كرافعة إضافية للنمو.
وأشار السعدي إلى أن كل هذه الجهود تندرج ضمن تصور جديد ومندمج للنهوض بالصناعة التقليدية، يستند إلى أربعة محاور رئيسية، أولها دعم الإنتاج والتنشيط المجالي من خلال تحسين الولوج إلى المواد الأولية وتنظيم القطاع وتحفيز التسويق، وثانيها مواكبة الفاعلين عبر تقوية التسويق الإلكتروني والمشاركة في المعارض وتطوير العلامات التجارية. ويشمل المحور الثالث التكوين وتأهيل الكفاءات، بتوفير التكوين النظامي والتكويني عبر التدرج، والحفاظ على الحرف المهددة بالاندثار، فيما يركز المحور الرابع على تعزيز الإطار المؤسساتي والحوكمة وتوسيع الشراكات الفعالة مع المتدخلين.
وختم السعدي بالتأكيد على أن الصناعة التقليدية تملك كل المقومات لتكون رافعة تنموية وثقافية واقتصادية، وأن الإرادة الحكومية متوفرة لإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع الاستراتيجي، بما يستجيب لتحديات المرحلة ويكرّس العدالة المجالية والاجتماعية.