لقد ارتقى موضوع الإعاقة، في ظل العناية الملكية السامية، إلى مرتبة رافعة أساسية من روافع العدالة الاجتماعية والإنصاف، حيث لم يعد ينظر إليه كقضية قطاعية معزولة، بل كورش وطني استراتيجي يروم إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمواطن على قاعدة الحقوق والكرامة.
وفي هذا السياق، أظهرت الحكومة الحالية، بقيادة السيد عزيز أخنوش، جرأة سياسية ووضوح رؤية في التعامل مع هذا الورش، من خلال تبني مقاربة حكامة جديدة تضمن الالتقائية بين مختلف القطاعات الوزارية، وتضع موضوع الإعاقة ضمن جدول أولويات السياسات العمومية. هذه الحكامة لم تعد مجرد شعارات، بل تجسدت في آليات عملية للتخطيط، التمويل، التتبع والتقييم، بما يضمن أن يكون تنزيل القانون الإطار للإعاقة فعلاً ميدانياً وليس مجرد نصوص على الورق.
ومن أبرز الخطوات المفصلية التي تترجم هذه الإرادة السياسية، إخراج مرسوم بطاقة الإعاقة وتفعيل مقتضياته في إطار القانون الإطار، باعتبارها أداة عملية لضمان الولوج العادل والمنصف إلى مختلف الخدمات الاجتماعية، الصحية، التربوية والمهنية. هذه البطاقة ليست مجرد وثيقة إدارية، بل آلية استراتيجية تضع الأشخاص في وضعية إعاقة في قلب السياسات العمومية، وتمكّنهم من التمتع بحقوقهم الدستورية بشكل ملموس.
لقد جسدت الحكومة، عبر هذا التوجه، وعياً عميقاً بأن أي سياسة دامجة تستوجب الانطلاق من المدرسة: إذ أطلقت برامج لدمج الأطفال ذوي الإعاقة في المنظومة التعليمية، ليس فقط عبر الأقسام المدمجة، بل أيضاً من خلال تكوين الأطر التربوية، وإعداد مناهج بيداغوجية مرنة تستجيب لتنوع القدرات. كما وسعت قاعدة الولوج إلى التكوين المهني وسوق الشغل عبر برامج دعم الإدماج المهني والمقاولة الذاتية.
وعلى مستوى آخر، جعلت الحكومة من ولوجيات الفضاءات والخدمات شرطاً أساسياً في التخطيط العمراني والإداري، باعتبارها المدخل الطبيعي للاندماج الكامل. فيما تعززت على المستوى الصحي برامج التأهيل والدعم التقني عبر تجهيزات حديثة وتمويلات موجهة.
إن المجهود المالي المرصود لهذا الورش، إلى جانب التنسيق المؤسساتي الذي تشرف عليه رئاسة الحكومة بشكل مباشر، يعكس بوضوح أن الدولة تتعامل مع قضية الإعاقة كخيار استراتيجي لا رجعة فيه. كما أن إحداث آليات حكامة جديدة على شاكلة المجالس والهيئات الموكولة بتتبع السياسة الوطنية في مجال الإعاقة، يؤكد أن الأمر يتعلق بإصلاح هيكلي طويل النفس.
إن جمعية أمل الأحرار، إذ تنوه بهذا التحول النوعي، تؤكد انخراطها الفعلي في مواكبة هذا المسار الوطني، سواء عبر الترافع أو عبر تنزيل مبادرات ميدانية تعزز هذا المجهود الجماعي. فالإعاقة لم تعد اليوم قضية فئة فقط، بل مرآة تعكس مستوى نضج المجتمع والدولة معاً، وهو ما يجعل الرهان الحقيقي هو الاستمرار في ترسيخ هذه الحكامة الرشيدة، بما يضمن للمواطن في وضعية إعاقة حقه الكامل في التعليم، الصحة، الشغل، والكرامة الإنسانية.
بقلم: محمد أمين بوشيحة، الرئيس الوطني لجمعية أمل الأحرار لذوي الاحتياجات الخاصة