استحضر محمد أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ووزير حقوق الإنسان في حكومة التناوب، بتأثر وحزن عميق، لحظات تاريخية من حياة الراحل الأستاذ والمناضل عبد الرحمان اليوسفي، خصوصا وهو كان من بين أعضاء فريقه في حكومة التناوب، واصفا إياه بالشخصية الفذة، والمناضل النزيه والعفيف ونظيف اليد والمنتصر لوطنه.
وقال أوجار في كلمته في برنامج خاص لنعي الراحل اليوسفي، اليوم الجمعة، على أمواج إذاعة أصوات: “تلقينا خبر وفاة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، مثل كل المغاربة بألم وحزن وبتأثر عميق، لأن المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي هو مِلًك مشترك لكل المغاربة وهرم من الأهرامات السياسية والوطنية الكبيرة لهذا الوطن، ورحيله لابد أن يترك لدى كل المواطنين والمواطنات حزنا عميقا على هذه الخسارة”.
لابد في هذه اللحظة، يردف أوجار: “أن نتقدم بالعزاء للشعب المغربي وبصفة خاصة لكل الحركات الحقوقية والديمقراطية التي حضرت إسهاماته الجديدة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة وعن كل القيم الأساسية الضرورية لبناء الديمقراطية فوق أرضنا المباركة”
ووصف أوجار، المرحوم عبد الرحمان اليوسفي، برجل دولة وزعيم سياسي، وقائد وطني من العيار الثقيل ومناضل حقوقي كرّس حياته للدفاع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة والكرامة وحرية التعبير وكل منظومة القيم الحقوقية، مضيفا أنه عانى كثيرا من أجل ما يؤمن به واشتغل على كل الجبهات الإعلامية والحزبية والنقابية وفي مرحلة لاحقة حينما اضطرته الظروف السياسية العامة إلى المنفى، اشتغل داخل المنظمات الدولية وداخل المنظمات الأساسية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وأضاف المتحدث نفسه أنه تشرّف بالتعرف على هذه الشخصية الفذة قبل أن يتولى المسؤولية وهو يناضل ويصارع ويكافح من أجل أفكاره على كل الجبهات الحقوقية والسياسية والديمقراطية والإعلامية، مردفا: “اشتغلنا بشكل وثيق مع الإرهاصات الأولية لإنشاء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في ظرف عسير لم يكن من السهل فيه العمل الحقوقي داخل الوطن، وأيضا في سنوات إنشاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان”.
على امتداد كل هذه المحطات، أكد أوجار أن اليوسفي “كان معارضا لا بد أن أشهد له بأنه كان دائما ينتصر لمصالح الوطن والقضايا الكبرى للوطن، ووجوده في كرسي المعارضة لم يمنعه رغم كل الإغراءات والضغوطات من أن يظل دائما كما كان وطنيا ومخلصا لبلاده وللمقومات التي تشكل هوية بلدنا”، مضيفا أنه استغل أيضا مواقعه العديدة لإبراز قناعاته الوطنية، وناضل حتى قبل أن يتولى الوزارة الأولى، من أجل الدفاع عن الصحراء المغربية والوحدة الترابية للبلاد، وتمكن من إقناع الكثير من العواصم التي كانت تعارض المغرب بأحقيته ووجاهة الطرح المغربي.
وتابع أن هذه الشخصية الفذة التي عاصرت كل تطورات الحياة السياسية في المغرب سواء في اللحظات الصعبة أو في لحظات الانفراج، بالإضافة إلى تطور وعيه السياسي مع تطور بلادنا، أهلته أن يختاره جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، ليقود مسلسلا إصلاحيا في إطار حكومة التناوب.
واسترسل أوجار في كلمته المؤثرة: “أستحضر هذه اللحظة بتأثر شديد إذ لم يكن من السهل لشاب في مثل عمري في تلك السنوات إذ كنت أصغر وزير في حكومة المرحوم اليوسفي، أن أتولى قطاعا بالغ الحساسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي، وهو وزارة حقوق الإنسان، وأن يكون رئيسي المباشر في هذا التحول شخصية حقوقية دولية تعرف تفاصيل كل الملفات الحقوقية”.
وأضاف: “أيضا كان من المغري سياسيا وحزبيا لأي وزير أول أن يتولى هذه الحقيبة شخصية من شخصيات الحزب الذي يرأسه، لذا كنت متأثرا باختيار جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، والأستاذ المرحوم عبد الرحمان اليوسفي، لهذا العبد الضعيف لكي يتولى هذه الحقيبة في حقبة كان الانشغال الأساسي لكل الطبقة السياسية بمختلف ألوانها هو كيف نخلّص بلدنا من الانتهاكات الجسيمة، وكيف نقضي على خروقات لحقوق الإنسان التي طبعت مرحلة طويلة للأسف الشديد لحياتنا السياسية ومن تاريخنا، وكيف نخلص بلدنا من كل هذه الانتهاكات ونعدّه لكي ينتقل انتقالا ديمقراطيا سلسا”.
وبعد أن أكد أن من أهم طموحاته تطوير حقوق الإنسان وإدخال بلدنا حقبة جديدة في مجال حقوق الإنسان، أشار أيضا إلى أن الهاجس الذي حكم البناء حينها هو الإرادة الجماعية والتوافقية لملك البلاد رحمه الله وللوزير الأول اليوسفي رحمه الله ولكل الفريق، لإنهاء كل الملفات لجبر الضرر وتعويض الضحايا، ولاتخاذ كل ما يجب اتخاذه من أجل تنقية الأجواء من أجل ألا تتكرر هذه الفظاعات التي حصلت في فترات من التوتر والتشنج السياسي في بلادنا.
اليوسفي، بحسب أوجار، كان يؤمن بالإصلاح التدريجي والإصلاح من الداخل وكان يؤمن بأهمية بناء التوافقات الوطنية، مضيفا أنه تحوّل اليوسفي من وزير أول إلى قائد فريق يضمّ حساسيات سياسية حزبية وغير حزبية، وتكنوقراطية واقتصادية، ويجسد إرادة جلالة الملك، في وقت لم تكن فيه الظروف سهلة بل كانت عسيرة، مثل كل مراحل الانتقال الديمقراطي.
وبأخلاق اليوسفي ولطافته ونظافة يده وأسلوبه الراقي والمتحضر، يسترسل اليوسفي قائلا: “تمكنا من خلق دينامية وطنية شعارها الكبير التوافق الوطني والدفع بمسار البلاد نحو التطور، وهذه الدينامية ستتعزز وتتقوى بشكل كبير جدا، مع تولي جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، العرش، الذي جدّد الثقة في الفريق الحكومي، وفي المرحوم اليوسفي، كوزير أول للمرة الثانية، ليكون بذلك، آخر وزير أول في حكم جلالة الملك الراحل الحسن الثاني وأول وزير أول في حكم جلالة الملك محمد السادس”.
وأوضح أوجار أن الأستاذ اليوسفي جند حينها كل الطاقات من أجل رفع وثيرة الإصلاحات، فمعه وبجانبه وبتوجيهات من جلالة الملك محمد السادس، تم إعداد كل المبادرات السياسية والتشريعية والتنظيمية والمالية وغيرها، لإنتاج تجربة حقوقية متميزة، لحد الآن لا تزال تتميز دائما، مشيرا إلى أن العديد من هذه المبادرات انتهت الآن من بينها إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة.
وأشار أوجار إلى أن السلطة لم تغير اليوسفي، فرغم ترأسه لحكومة البلاد ظل مناضلا نزيها عفيفا نظيف اليد منتصرا لوطنه ومصرا في نفس الوقت على إنجاز الإصلاحات والتطور الذي تحتاجه الديمقراطية في بلادنا، وكان نموذجا في وقت تتدهور فيه صورة السياسي، إذ أصرّ على امتداد حياته على صنع بارقة أمل وهي صورة سياسي بكل هذه الصفات.
وفي الختام، أكد أوجار على أن اليوسفي كان يخلع قبة الحزبية الضيقة وكل ما يرتبط بها من ممارسات سلبية، مردفا: “فأنا من حزب التجمع الوطني للأحرار، كنت في فريق الأستاذ اليوسفي، وكنت من الوزراء المقربين إليه، ولم أشعر يوما أنه يفرّق بين الوزراء حسب ألوانهم السياسية، بل كان قائد فريق، يقدّر العمل والكفاح، ويجنّد كل الوسائل التي كانت لديه لتسهيل نجاحات وزرائه ومن خلال هذه النجاحات تسهيل نجاح البلد”.