أكد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، اليوم الإثنين بالرباط، أن بلادنا، أمام تسارع المتغيرات والتحديات، أصبحت مدعوة أكثر من أي وقت مضى، إلى الانخراط الجدي والمسؤول ومواصلة العمل التشاركي، ضمن منظور جديد يستهدف تدارك التأخير المسجل في قطاع الماء، ومنح الاستراتيجية الوطنية للماء، التي أمر جلالة الملك بإنجازها منذ 13 سنة، نفسا جديدا من الحكامة والفعالية.
وأضاف أخنوش في الجلسة العمومية للأسئلة الشفوية الشهرية حول موضوع “السياسة المائية بالمغرب” بمجلس النواب، قائلا: “بما يضمن التسريع من وتيرة إنجاز مختلف محاورها الأساسية، سواء فيما يتعلق بمحطات تحلية مياه البحر التي لا يتجاوز عددها الحالي سوى 9 محطات من أصل 20 كهدف محدد لسنة 2030، أو من خلال بناء السدود التي لم تتجاوز -منذ 2009 إلى اليوم- 14 سدا كبيرا من أصل 57 سدا كحصيلة مبرمجة في أفق 2030، فضلا عن عمليات الربط بين الأحواض التي تعرف بدورها تأخرا ملحوظا”.
وأشار رئيس الحكومة إلى أنه رغم المكتسبات العديدة التي حققتها السياسة المائية الوطنية، لازالت هناك تحديات وإكراهات عديدة ترتبط أساسا بتأثير التغيرات المناخية، وما يترتب عنها من ندرة للمياه وانعكاسها الملموس على بيئة الإنسان وصحته، في ظل الارتفاع المهول لدرجات الحرارة الذي يشهده العالم في السنوات الأخيرة، لا سيما في دول حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتابع: “لقد تعرضت بلادنا إلى موجات متتالية من الجفاف، تظل أبرزها خلال الفترة ما بين 1940-1945 وبين 1980-1985. غير أن الفترة الممتدة ما بين 2018 و2022 تبقى من بين أشد الفترات جفافا على الإطلاق، حيث بلغ إجمالي وارداتها حوالي 17 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل أدنى إجمالي للواردات خلال خمس سنوات متتالية في تاريخ المغرب”.
وهذا ما يفسر، وفق رئيس الحكومة، التراجع الكبير للتساقطات المطرية بـــ 50 % على الصعيد الوطني مقارنة مع معدل التساقطات الاعتيادي، ناهيك عن التباين المجالي الذي تعرفه نسبة التساقطات حيث تتركز 51% منها في 7 % فقط من المساحة الوطنية بكل من حوضي اللوكوس وسبو، مضيفا أن حجم المخزون المائي بحقينات السدود بلغ إلى غاية فاتح دجنبر الجاري، حوالي 3.82 مليار متر مكعب، أي ما يعادل تقريبا 40 % كنسبة ملء إجمالي مقابل % 34.6 سجلت في نفس الفترة من السنة الماضية.
ويسجل متوسط الفرد من المياه تراجعا كبيرا، يضيف أخنوش، حيث يقدر متوسط نصيبه في السنة بـ 620 مترا مكعبا، مشيرا إلى أنه من المرتقب أن ينخفض إلى 560 مترا مكعبا سنة 2030 بفعل التزايد السكاني، بعدما كان في حدود 2560 متر مكعب في ستينيات القرن الماضي. إضافة إلى التباين المسجل وطنيا في متوسط حصة الفرد من الماء سنويا. ففي بعض المناطق يصل إلى 1000 متر مكعب، وفي مناطق أخرى لا يتجاوز 100 متر مكعب.
وبالموازاة مع التحديات الطبيعية التي تشهدها بلادنا، أشار أخنوش إلى أن الموارد المائية تعرف استغلالا مفرطا للمياه الجوفية، نتيجة استفحال سلوكيات استهلاكية غير مسؤولة. فعلى سبيل المثال، أزيد من مليون متر مكعب من مياه نهر أم الربيع يتم يوميا استغلالها بصفة غير مرخصة، دون إغفال كون حوالي 40% من المياه تضيع عبر سيلانها من القنوات المائية، ناهيك عن إشكالية مصبات الأنهار في البحر، مما يتطلب التفكير في سبل تجميعها وتوجيهها إلى المناطق الأكثر تضررا لمواجهة الخصاص الحاصل.
واعتبر أن تغير المناخ أصبح ظاهرة بنيوية لا يمكن التنكر لها وتجاهل آثارها، مما يفرض أخذها بعين الاعتبار كمعطى أساسي ضمن مسلسل بلورة السياسات التنموية، لا سيما في المجالات الطاقية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مضيفا أنه أصبح لزاما العمل بفعالية وبمنظور استباقي من أجل التكيف مع مظاهر التغير المناخي والتخفيف من آثاره، ووضع استراتيجيات قطاعية بشكل يراعي هذه التغيرات، في تكامل وتناسق مع الجهود المبذولة عالميا في هذا الإطار.
وفي هذا الإطار، قال أخنوش: “ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، منذ اعتلاء عرش أسلافه المنعمين، أن أولى عناية خاصة لموضوع الماء، إدراكا من جلالته للتحديات المناخية والديمغرافية التي من شأنها التأثير على مواردنا المائية. فتم في عهد جلالته تشييد ما يزيد عن 50 سدا كبيرا ومتوسطا، إضافة إلى 20 سدا في طور الإنجاز، وإعطاء الانطلاقة لأهم محطات تحلية مياه البحر، خاصة محطة أكادير. كما أعطى توجيهاته السامية للعمل على ترشيد استعمال مياه الري التي نجحت بلادنا في كسب رهانها”.