أكد كمال آيت ميك، المستشار البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار على ضرورة صيانة حرمة المال العام، معتبرا أنه مُقَدَسْ وطني يستوجب المحافظة عليه عبر قطع الطريق على كل المفسدين وناهبي المال العام أينما وجدوا، ومَنْعِهِمْ من تدبير كافة شؤون المؤسسات الدستورية الإدارية والمنتخبة.
واعتبر المستشار أن التحديات التي تواجهها المملكة أبانت على صمود قدرة المالية العمومية في مواجهة كل هذه الصدمات المتعددة، وهو ما كان موضوع إشادة وتنويه من طرف الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، على أساس مواصلة الإصلاحات الجبائية والجمركية، واستمرار اختيارات هذه الحكومة وإصلاحاتها الثورية.
وسجل في مداخلة له باسم الفريق، خلال مناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2022 و2023، أمس الإثنين بجلسة عام بمجلس المستشارين، أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، حريص على صون المال العام، من خلال مطالبته لكافة المسؤولين والمنتخبين بضرورة الحفاظ على نظافة اليد، مُعْلِنا بشكل رسمي على أنه لن يقف إلى جانب المفسدين وناهبي المال العام.
وأفاد أن فريق التجمع الوطني للأحرار يشيد، في هذا الإطار، بروح المسؤولية العالية التي تحلت بها الأحزاب الوطنية الجادة في تدبير النفقات المتعلقة بها وبالعمليات الانتخابية، أثناء صرف مختلف أنواع الدعم العمومي لها، حيث دبرت ميزانيتها وفق إمكانياتها المتاحة، “لذلك كان من الأجدر على هذا التقرير أن ينوه بالأداء الشفاف والتدبير النزيه للأحزاب الوطنية، والذي لم تُثَرْ بشأنه أية ملاحظات، بل طور من قدراته التدبيرية، وذلك من أجل تشجيعها على المُضَيْ في تجويد حكامتها، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار”، حسب تعبيره.
وشدد على ضرورة نقاش مثل هذه التقارير داخل المؤسسات الدستورية المنتخبة، احتراما للمرجعيات القانونية والدستورية التي تؤطر الفعل السياسي المؤسساتي، وأكد، من هذا المنطلق حرص “الأحرار” الدائم على التعامل معها بالمسؤولية والجدية اللتان طبعتا خطابنا السياسي دائما داخل فريق التجمع الوطني للأحرار، مستحضرل فلسفة الدستور الجديد وروحِه التي مكنت من تقييم أداء المرفق العام من خلال هاته التقارير، والتي أسهمت في تحسين منسوب إصلاح الإدارة، تجسيدا للإرادة السامية لجلالة الملك نصره الله، ولإرادة الحكومة القوية في محاربة المفسدين وناهبي المال العام المضمنة بشكل صريح في البرنامج الحكومي.
وأبرز أن هذه الحكومة تحرص، بشدة على تنزيل مختلف التوصيات الصادرة عن هاته التقارير، مستحضرا في هذا الإطار، بكل مسؤولية، رسائل الحزب القوية، قَائِدْ هذه التجربة الحكومية المتميزة بالشجاعة والإبداع، من خلال مواجهة مختلف الأزمات التي تواجهها البلاد، والتي عبر عنها الحزب في جميع المحطات التواصلية والتنظيمية التي ينظمها في مختلف جهات المملكة، حيث أكد فيها، حسب آيت ميك، على ضرورة القطع مع كل الممارسات التي تسيئ إلى صورة الفاعل السياسي والمجالس المنتخبة والعملية السياسية برمتها.
واعتبر آيت ميك أن الدولة منخرطة بجدية في استئصال منابع الفساد والمفسدين، تجسيدا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك ما يجسده مضمون التقرير الذي وقف على بعض مظاهر قصور التدبير العمومي، حيث طغى عليه الطابع البيداغوجي من خلال إبراز الممارسات الواجب تفاديها من طرف المدبر العمومي، انطلاقا من القواعد المٌسْتَنْبَطَة من قرارات وأحكام المحاكم المالية، حيث رصد التقرير إحالة 22 ملف ذات صبغة جنائية ما بين يناير 2022 وأكتوبر 2023.
ورفض في هذا السياق اعتماد منطق التعميم الذي يبخس عمل المؤسسات ويٌدِبٌ اليَأْسْ في نفسية المدبر العمومي الصادق والمخلص لعمله. وهو ما يؤكد أن بلادنا تمكنت من تحقيق تراكمات إيجابية على مستوى عقلنة وترشيد الإنفاق العمومي واعتماد إصلاحات جوهرية لمساطر تدبير المال العام لا يمكن إنكارها أو تجاهلها.
من جهة أخرى، أفاد آيت ميك أن هذا التقرير تزامن مع حدثين بارزين تمثل في زلزال الحوز و اختيار المغرب تنظيم مونديال 2030 بشكل مشترك مع كل من إسبانيا والبرتغال، حدثان يتطلبان تمويلات ضرورية لتحقيق ثورة تنموية على جميع الأصعدة، تُقابلها نجاعة تدبيرية تعتمد الرغبة والسرعة في تحقيق المنجزات، مستحضرا في هذا الإطار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ومشكل التضخم العالمي، وتوالي سنوات الجفاف وارتفاع أسعار المواد الأولية والطاقية في العالم.
وأفاد آيت ميك أن التقرير خصص هامشا مهما لتتبع الأوراش الإصلاحية، وعلى رأسها منظومة الحماية الاجتماعية، حيث طُرِحَت تحديات التمويل من أجل ضمانها عبر إقرار إصلاحات مالية وجبائية مُتواصلة.
إثر ذلك، نوه “الأحرار”، على لسان آيت ميك، بما تقوم به هذه الحكومة بقيادة رئيسها في هذا الصدد، حيث يُتابع بشكل دقيق تفاصيل هذا الورش، الذي تمكن من تنزيله وِفْقَ الأجندة التي حددها جلالة الملك. مما ساهم بأن تستفيد مختلف شرائح مجتمعنا المغربي من الخدمات الاستشفائية بالقطاعين العام والخاص على حد سواء، والاستفادة كذلك من التعويض عن مصاريف الاستشفاء والدواء، حيث “انتقل عدد المؤمنين من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في ظرف سنة واحدة من 7,8 مليون إلى أزيد من 23.2 مليون فرد، وهو ما يشكل ثورة اجتماعية حقيقية لا يمكن انكارها”، كما أشار إلى ذلك آيت ميك.
في المقابل، قال إن هذه المنجزات الحكومية التي تحققت تحتاج إلى تعبئة المزيد من الموارد المالية للميزانية العامة من خلال إصلاح كافة المؤسسات العمومية لكي تساهم في الميزانية العامة، مؤكدا أنه لا يمكن أن تساهم فقط أربعة مؤسسات في الميزانية العامة للدولة من أصل 215 مؤسسة عمومية، حيث تفرض الظرفية إصلاح كافة المؤسسات العمومية لتعبئة كل الموارد المالية الممكنة والضرورية لفائدة ميزانية الدولة.
كما خَلَص التقرير، كما أشات آيت ميك، إلى أن ورش تفعيل الجهوية المتقدمة يتطلب المزيد من المواكبة لتفعيل اختصاصات الجهات واستكمال منظومتها القانونية، “من هذا المنطلق نؤكد داخل فريق التجمع الوطني للأحرار، على أنه لا مجال لتضييع المزيد من الوقت دون المٌضِيْ بشجاعة نحو تكريس اللاتمركز الإداري باعتباره مرجعا ثابتا، وبعدا حاضرا في جميع الخٌطَبْ الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، حيث شكلت تلك الخٌطَبْ السامية مرجعية و دعوة مباشرة وصريحة لضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، فإن المرحلة تقتضي المرور إلى السرعة القصوى لتنزيل هذا الورش عبر تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة وترشيد النفقات باعتماد مبدأ التعاضد في استعمال الموارد من خلال اعتماد الصيغة النهائية للتمثيليات الجهوية وعبر إحداث أقطاب جهوية إدارية تمثل كل المصالح الإدارية بكل فاعليها وتعزيزها بالموارد البشرية الكفأة، و الموارد المالية الكافية، وذلك من أجل تسريع تنزيل هذا الورش وبما تقتضيه المسؤولية الوطنية والتفاعل السريع والإيجابي مع توجهات صاحب الجلالة”، كما قال.
أما فيما يتعلق بمحور الاستثمار، يرى أيت ميك أنه من الواجب إبداع أساليب جديدة لتدبير عملية جَلْبْ وتنزيل الاستثمارات، تتمثل في اقرار نظام إداري مرن يجعل من الإدارة شريكاً رئيسياً لتعزيز فرص الاستثمار لتفعيل أهداف ميثاق الاستثمار الجديد، وتبسيط المساطر الإدارية والقطع مع البيروقراطية، وربط الاستثمار باللاتمركز لتحقيق العدالة المجالية ومحاربة التفاوتات الجهوية.
وأفاد، في ختام كلمته، أن هذا التقرير قام بدوره الرقابي، لذلك “فإننا مطالبون جميعا بالاجتهاد لإعادة النظر في كل القوانين المؤطرة لعمل المراقبة، مع تعديل كل القوانين المتقادمة التي لم تعد تساير رَكْبْ التنمية وتَخْلٌقْ لنا إشكاليات كبيرة تٌعِيقْ تطور مسار بلادنا، باعتبارنا مؤسسة تشريعية، يجب أن تساهم في تحسين المنظومة القانونية وتجويدها تسهيلا لعمل المؤسسات الدستورية، بما يخدم مصالح بَلَدَنَا العليا، تحت القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين حامي هذا البلد الأمين، جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه”، على حد قوله.