بانتخابها من طرف أعضاء مجلس جهة كلميم وادنون، اليوم الجمعة، رئيسة للجهة، تكون مباركة بوعيدة، عضوة المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، أول سيدة مغربية تصل إلى هذا المنصب. فما هي أبرز المحطات في مسار بوعيدة؟
تشغل حاليا منصب كاتبة للدولة مكلّفة بالصيد البحري، وهو الأمر الذي يضعها في حالة تنافي مع منصبها الجديد، وفق الجزء الثاني من المادة 17 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، وهو ما سيدفعها لتسوية وضعيتها في أجل لا يتعدى ستين يوما، حسب المادة 35 من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة.
حرصت بوعيدة طيلة مسارها السياسي، على الرفع من تنمية جهتها كلميم واد نون، عبر الدفاع عن قضاياها، والترشح لانتخابات 2015 بمقعد عن الجهة، رغبة منها في رد الجميل لأرضها وساكنتها. “مهما وصلنا في سلالم النجاح، تبقى لنا رغبة دفينة في تقديم المساعدة، كل من موقعه، للأرض التي أنجبتنا”، تقول.
تنحدر بوعيدة من لقصابي بجهة كلميم واد نون، وهي إبنة المدرسة العمومية، حاصلة منها على باكالوريا علمية بثانوية شوقي بالدار البيضاء، وخلافا لعدد من أبناء جيلها اختارت الدراسة العليا في المغرب، وتحديدا بالمدرسة العليا للتدبير بالدار البيضاء، قبل أن تتجه بعد وفاة والدها، إلى مدينة تولوز لاستكمال الدراسة بالمدرسة العليا للتجارة، ثم دراسة السلك الثالث بإنجلترا.
بدأت بوعيدة مسارها المهني بإسبانيا، وراكمت فيها تجربة غنية في القطاع الخاص، إلا أنها قررت الرجوع إلى المغرب، لتلج السياسة من بابها الواسع سنة 2007، خلال الانتخابات التشريعية.
انخراطها الفعلي في التجمع الوطني للأحرار، لم يأتي من فراغ، فقد ترعرت مباركة وسط جو سياسي محموم، ساهم بشكل كبير في فهمها لأبجديات السياسة، لكن نسبة تأثرها بهذا المجال بشكل كلي لا تقارن مع اختياراتها، بعدما نضجت لتُكون لنفسها عالما مليئا بالأفكار والطموحات.
“كبرتُ في مناخ عائلي مشحون بالقضية الوطنية والدفاع عليها، تربيت وسط التجمعات الخطابية الجماهرية، وساهمت منذ صغر سني في الحملات الانتخابية كما كانت لي تجربة لأول مرة مع الكتابة في الصحافة، في جريدة الميثاق للتجمع الوطني للأحرار في ثمانينات القرن الماضي، وكان لا يتجاوز عمري حينها 8 سنوات، ولازلت أتذكر عنوان المقالة الذي كان صوت الطفولة”، تسلّط عضوة المكتب السياسي الضوء على جانب من تلك المرحلة.
تركت بوعيدة السياسة وهي شابة يافعة، بعدما انشغلت ببناء مستقبلها المهني، واختارت توجها اقتصاديا. بحثا عن الاستقلالية، وتحقيق الذات، اشتغلت في القطاع الخاص لسنوات، بعيدا عن السياسة، قبل أن يغريها ما اعتبرته عهدا جديدا للمغرب دُشّن بعد اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، للرجوع والمساهمة من جانبها في بناء المغرب الجديد.
اعتبرت أن تغير الوجوه السياسية، والتوجه الاقتصادي الجديد للمملكة، والانفراج في حرية الصحافة، كانت إشارات قوية تمنح الرغبة في المشاركة في بناء مغرب جديد. وبحماس كبير للدفاع عن المغرب رفقة ملك شاب، اختارت بوعيدة العودة، خلافا لعدد من زملائها ورفقائها من المغاربة الذين اختاروا البقاء خارج المغرب آنذاك.
أغرتها الحرية التي منحت للصحافة، والانفراج الذي عرفه قطاع السمعي البصري، الذي اعتبرته عاملا في بناء بلد ديمقراطي. اهتمامها هذا نتج عنه انخراطها في تجربة إعلامية فريدة اليوم في المغرب، وهي أول محطة إذاعية متخصصة في الرياضة كان هدفها تأطير الشباب.
بالرجوع للسياسة، شكّلت 2007 سنة مهمة في حياة بوعيدة، حيث نُظم أول مؤتمر وطني للتجمع الوطني للأحرار، الذي شكل نقطة تغيير داخل الحزب. “التغيير ليس في الأشخاص وإنما تغيير المرحلة، انخرطت في تحضير المؤتمر، وانطلقت دينامية جديدة داخل حزبنا بانتخاب مصطفى المنصوري، وهنا أحسست برجوعي الفعلي والنشيط للحزب بالموازاة مع حياتي المهنية”، تضيف بوعيدة.
وبفضل ثقة الرئيس الجديد للحزب حينها، خاضت عضوة المكتب السياسي الانتخابات التشريعية عبر اللائحة الوطنية.
وبعد فوزها في الانتخابات وولوجها البرلمان، اكتشفت بوعيدة أنه تحدي أكبر من الانتخابات، وسعت جاهدة لتضمن الاستمرارية، خاصة وأنها تعتبر أن النساء القادمات من اللائحة الوطنية في حاجة لإثبات الشرعية. “حاولت قدر المستطاع أن أكون مفيدة داخل المؤسسة التشريعية، ليس فقط بالحضور الجسدي ولكن أيضا بالتفاعل والفاعلية والجودة في التعاطي مع المواضيع، فالبرلمان كان مدرسة، تمثل بشكل حقيقي جميع فئات المغاربة، وخلافا لما يراه المواطنون عبر شاشة التلفاز من اجتماع أسبوعي للبرلمان وتقييم للسياسات العمومية بشكل علني، كان العمل الحقيقي والجبار ينجز داخل اللجان البرلمانية، خاصة لجنة المالية”.
رجعت بوعيدة لتثبت شرعيتها، في 2009، خلال محطة الاستحقاقات المحلية، عندما ترشحت في مقاطعة الدار البيضاء أنفا، بعدما منحها الحزب التزكية، وكانت البرلمانية الوحيدة عن التجمع الوطني للأحرار التي تخوض هذه المحطة حينها، الشيء الذي لعب الدور الكبير في اختيارها لعضوية لجنة الخارجية والدفاع الوطني لانتخابات نصف الولاية بمجلس النواب. في السنة نفسها، سارت خلالها بخطوات واثقة للعمل الدبلوماسي والبرلماني من خلال التوقيع على وثيقة الوضع المتقدم مع أوروبا، وإنشاء هيئة برلمانية مشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، التي اشتغلت على عدد من الملفات هدفها تقارب وجهات النظر، وكان لها شرف ترأسها لمدة سنتين.
وتولت بوعيدة بعد ذلك مهام وزيرة منتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون واشتغلت على مدى ثلاث سنوات إلى جانب صلاح الدين مزوار وزير الخارجية، على عدد من الملفات العالقة مع الاتحاد الأوروبي والقضية الوطنية والبرلمان الإفريقي، والعلاقات مع الدول الآسيوية وغيرها. واليوم ينتظرها تحدّ لا يقلّ صعوبة وأهمية هو التنمية الجهوية، في وقت يتجه فيه المغرب، أكثر من أي وقت مضى، لجهوية حقيقية من شأنها أن تكون إجابة حقيقية على الإشكالات العالقة بمختلف جهات المملكة.