قال رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، إن دستور 2011 حدّد الإيديولوجيا السياسية للمملكة، وأقرّ أنها دولة ديمقراطية اجتماعية، إذ ضمنت حق الملكية الفردية لكل مواطن، واهتمت في نفس الوقت بالجانب الاجتماعي.
الوثيقة الدستورية أقرت كذلك، يضيف العلمي، أمس الخميس بالرباط، خلال كلمة له في لقاء “خميس الديمقراطية” الذي ينظمه “الأحرار” الخميس الأخير من كل شهر، بأن المغرب دولة مدنية، وليست عسكرية أو دينية. فالفرق بين الدستور السابق ودستور 2011 هو أن الأخير يتحدث عن أن الإسلام دين الدولة، فيما أقر الأول بأن المغرب دولة إسلامية.
وعبّر عضو المكتب السياسي عن اعتقاده بأن المطلوب ليس هو المطالبة بتغيير الوثيقة الدستورية الحالية، بل تعديل بعض بنودها.
وبالنسبة للفصل 47 من الدستور الذي جاء فيه “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”، فأبرز الطالبي العلمي أن بلاغ الديوان الملكي بشأن إعفاء رئيس الحكومة السابقة المكلف بتشكيلها، كان واضحا إذ أشار إلى عبارة “من بين كل الاختيارات المتاحة لجلالة الملك”، كما أشار إلى عبارة “نص وروح الدستور”، وأوضح أن بعض الفاعلين السياسيين يؤولون هذا الفصل حسب طموحهم السياسي.
“هذا الطموح المفرط صوب الريادة لترأس الحكومة جعل المعترك السياسي يعيش حالة من الصراعات الحزبية الضيقة بدل المشاركة الفعلية في بناء الوطن وتحقيق التنمية”، يبرز الطالبي العلمي، الأمر الذي وصفه بالنتائج العكسية لتأويل الفصل 47.
وفتح الدستور الجديد، حسب المتحدث ذاته، الباب لإعادة بناء الدولة المغربية، وأعاد تنظيم السلط والمؤسسات. فهذا الأمر قطع مع تمركز السلطة في جهاز واحد، فالقرارات التي تأخذ تمر عبر العديد من المؤسسات حتى تأخذ صبغتها التنفيذية، وهو أمر جد إيجابي لا يوجد في أبرز الديمقراطيات.
أما القضايا العسكرية والدينية والأمنية فهي حصريا لجلالة الملك، يسجّل العلمي، فيما تتقاسم والحكومة والبرلمان التشريع في مجالات أخرى.
واعتبر عضو المكتب السياسي، خلال اللقاء الذي حضره حوالي 60 تجمعية وتجمعيا ومتعاطفين مع الحزب، أن دستور 2011 أخرج المغرب من خانة الدول النامية إلى خانة الدول الصاعدة. لكن هل الممارسة والنقاش العموميين ارتقت إلى مصاف هذه الدول الصاعدة؟ أعتقد أن هذا هو المخاض الذي نعيشه اليوم، يجيب العلمي.
من جهته، سجّل بوشعيب أوعبي، أستاذ القانون الدستوري وعضو المجلس الوطني للتجمع الوطني للأحرار، أن وقت الإصلاح الدستوري قد حان. فخلال التجربة المغربية، منذ الاستقلال، لم تكن الفترة بين دستور ودستور جديد طويلة، بل كانت تصل أحيانا إلى 4 سنوات فقط، كما هو الحال مثلا مع دستور 1992 الذي عُوض بعد ذلك بدستور 1996.
دستور 2011 لم ينجح من كان يسيّر الحكومة في تنزيل مضامينه، استنادا لأوعبي، إذ أن 3 قوانين تنظيمية لم تصدر بعد، على الرغم من أن الفصل 86 من الدستور يشير إلى أن جميع القوانين التنظيمية وعددها 20 يجب أن تصدر قبل سنة 2016.
وأبرز أن الدستور الجديد يتضمن العديد من الفصول الإيجابية، كما يتضمن بعض الفصول الأخرى التي أسيء تأويلها ويجب أن تراجع، مشيرا إلى أن هناك جيوب مقاومة لأي دعوة تتعلق بتعديل الدستور الحالي.
وشدد أستاذ القانون الدستوري على أن الفصل 47 من الضروري تعديله، فالفقرة الأولى منه تشير إلى أن جلالة الملك “يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات”، ثم مباشرة بعدها هناك فاصلة وعبارة “وعلى أساس نتائجها”. فيعني هذا أن الشرطان معا يجب أن يتوفرا وليس فقط من تصدر الانتخابات.
من بين الأمور التي يجب إعادة النظر فيها كذلك، وتخلق غموضا، هو العلاقة بين الاتفاقيات الدولية التي يصادق عليها المغرب مع القوانين الداخلية، وخاصة بالنسبة للقضايا التي فيها تعارض مع الشريعة الإسلامية. “كحقوقيين وقانونيين، يشكل لنا هذا الأمر حرجا، على اعتبار أن المغرب سار ويسير في طريق الانفتاح على العالم، وعلى المنظمات الدولية”، يؤكد أوعبي.
وبالنسبة للفصل الأول من الدستور، الذي يشير إلى هوية النظام السياسي، وثوابته، التي أضيف لها في دستور 2011 الاختيار الديمقراطي، فأوضح المتحدث أنه عندما نشير إلى هذا الثابت علينا ألا نكتفي بذلك فقط، بل أن نضع له قواعدا في المتن الدستوري.
كما أن الفصل الأول أغفل كذلك الإشارة إلى المكتسبات في مجال الحريات والحقوق، التي توجد في الفصول الأخيرة من الدستورية، بينما هي إشارة أساسية وثابت من الثوابت، تماشيا مع روح بعض خطابات صاحب الجلالة التي أشار فيها لهذه النقطة.
يشار إلى أن “خميس الديمقراطية” هو لقاء حواري على شكل “المائدة المستديرة”، يجمع أخر خميس كل شهر، نشطاء التجمع الوطني للأحرار مع مسيري الشأن العام، والمفكرين والأساتذة الجامعيين والخبراء حول القضايا السياسية. وهو بمثابة مساحة لتبادل الأفكار ووجهات النظر بين ومناضلي “الأحرار” وضيوفه.
وقد نوقش خلال الموعد الأول من هذه المبادرة، ملف التعليم على ضوء المستجدات التي جاء بها مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين والبحث العلمي، وطبيعة مساهمته، مستقبلا، في تحقيق إصلاح حقيقي لهذا القطاع الحيوي.
وحول هذه المبادرة الجديدة، قال مصطفى بايتاس، المدير المركزي للحزب، خلال لقاء يوم أمس، إن من شأنها فتح نافذة جديدة على الحوار السياسي الجاد والبناء، معبرا عن شكره لرئيس الحزب، عزيز أخنوش، الذي يؤيد الحوار والنقاش وتبادل وجهات النظر داخل “الأحرار” حول القضايا الأساسية.
وأعلن بايتاس أن هذا الموعد الشهري سيستمر الحزب في احتضانه حتى في شهر رمضان، أما في ما يخص موضوع الإصلاحات الدستورية، الذي اختير لتسليط الضوء عليه، فاعتبر أنها محطة مهمة للتوقف والتأمل في التجربة الدستورانية في المغرب التي امتدت لحوالي ستين سنة، وتوجت بستة دساتير.



